فإن قيل: إنه تعالى عدد أنواع مننه على موسى في هذا المقام فكيف يليق بهذا الموضع وفتناك فتونا؟
أجيب: بجوابين الأوّل: فتناك أي: خلصناك تخليصاً من قولهم فتنت الذهب إذا أردت تخليصه من الفضة أو نحوها. الثاني: أنّ الفتنة تشديد المحنة يقال فتن فلان عن دينه إذا اشتدّت عليه المحنة حتى رجع عن دينه قال تعالى: ﴿فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله﴾ (العنكبوت، ١٠)
وقال تعالى: ﴿ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين﴾ (العنكبوت: ٢، ٣)
ولما كان التشديد في المحنة يوجب كثرة الثواب عده الله تعالى من جملة النعم وتقدّم تفسير ابن عباس وهو قريب من ذلك، فإن قيل: هل يصح إطلاق الفتان على الله تعالى اشتقاقاً من قوله تعالى: وفتناك فتونا؟ أجيب: بأنه لا يصح لأنه صفة ذم في العرف وأسماء الله تعالى توقيفية لا سيما فيما يوهم ما لا ينبغي.
المنة السابعة: قوله تعالى: ﴿فلبثت سنين في أهل مدين﴾ والتقدير وفتناك فخرجت خائفاً إلى أهل مدين فلبثت سنين فيهم عند شعيب عليه السلام وتزوّجت بابنته وهي إمّا عشر أو ثمان لقوله: ﴿على أن تأجرني ثمان حجج فإن أتممت عشراً فمن عندك﴾ (القصص، ٢٧)
وقال وهب: لبث موسى عند شعيب عليه السلام ثماناً وعشرين سنة منها عشر سنين مهر امرأته فإنه قضى أوفى الأجلين والآية دالة على أنه لبث عشر سنين وليس فيها ما ينفي الزيادة على العشر كما قاله الرازي وإن قال ابن عادل يرده قوله تعالى: ﴿فلما قضى موسى الأجل﴾ (القصص، ٢٩)
(٥/٢٦٠)


الصفحة التالية
Icon