﴿كلوا وارعوا أنعامكم﴾ والأنعام جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم يقال رعت الأنعام ورعيتها والأمر للإباحة وتذكير النعمة والجملة حال من ضمير أخرجنا أي: مبيحين لكم الأكل ورعي الأنعام أي: وبقية الحيوانات ﴿إنّ في ذلك﴾ أي: فيما ذكرت من هذه النعم ﴿لآيات﴾ أي: لعبراً ﴿لأولي النهى﴾ أي: أصحاب العقول جمع نهية كغرفة وغرف سمي به العقل لأنه ينهي صاحبه عن ارتكاب القبائح. ولما ذكر سبحانه وتعالى منافع الأرض والسماء بيّن أنها غير مطلوبة لذاتها بل هي مطلوبة لكونها وسائل إلى منافع الآخرة فقال:
﴿منها﴾ أي: الأرض ﴿خلقناكم﴾ فإن قيل: إنما خلقنا من النطفة على ما بيّن في سائر الآيات؟ أجيب: بأوجه.
أحدها: أنه لما خلق أصلنا آدم عليه السلام من تراب كما قال تعالى: ﴿كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (آل عمران، ٥٩)
حسن إطلاق ذلك علينا.
ثانيها: أن تولد الإنسان إنما هو من النطفة ودم الطمث وهما متولدان من الأغذية والغذاء إمّا حيواني أو نباتي، والحيواني ينتهي إلى النباتي والنبات إنما يحدث من امتزاج الماء والتراب فصح أنه تعالى خلقنا منها وذلك لا ينافي كوننا مخلوقين من النطفة.
ثالثها: روى ابن مسعود أنّ ملك الأرحام يأتي إلى الرحم حين يكتب أجل المولود ورزقه والأرض التي يدفن فيها فإنه يأخذ من تراب تلك البقعة وينثره على النطفة ثم يدخلها في الرحم وأخرج ابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إنّ الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه فيذرّه على النطفة فيخلق من التراب ومن النطفة ﴿وفيها نعيدكم﴾ أي: مقبورين بعد الموت ﴿ومنها نخرجكم﴾ أي: عند البعث ﴿تارة﴾ أي: مرّة ﴿أخرى﴾ أي: بتألف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب ونردّهم كما كانوا أحياء ونخرجهم إلى المحشر يوم يخرجون من الأجداث سراعاً ولما كان المقام لتعظيم القدرة عطف عليه قوله تعالى:
(٥/٢٧١)


الصفحة التالية
Icon