وقيل: تقدير الآية أنه هذان، فحذف الهاء، وذهب جماعة إلى أن حرف أن ههنا بمعنى نعم، أي: نعم هذان، روي أن أعرابياً سأل ابن الزبير شيئاً، فحرمه، فقال: لعن الله ناقة حملتني إليك، فقال ابن الزبير: إنَّ وصاحبها، أي: نعم، وشدَّد ابن كثير النون، فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام، وتزويره خوفاً من غلبتهما، وتثبيطاً للناس عن اتباع موسى وهارون ﴿يريدان﴾ أي بما يقولان من دعوى الرسالة وغيرها ﴿أن يخرجاكم﴾ أيها الناس ﴿من أرضكم﴾ هذه التي ألفتموها، وهي وطنكم خلفاً عن سلف ﴿بسحرهما﴾ الذي أظهراه لكم وغيره. ولما كان كل حزب بما لديهم فرحين قالوا: ﴿ويذهبا بطريقتكم المثلى﴾ مؤنث الأمثل، وهو الأفضل، أي: بمذهبكم الذي هو أفضل المذاهب بإظهار مذهبه، وإعلاء دينه لقوله تعالى: ﴿إني أخاف أن يبدل دينكم﴾ (غافر، ٢٦)، وقيل: أراد أهل طريقتكم، وهم بنو إسرائيل، فإنهم كانوا أرباب علم فيما بينهم لقول موسى: ﴿أرسل معنا بني إسرائيل﴾ (الشعراء، ١٧)، وقيل: الطريقة اسم لوجوه القوم وأشرافهم من حيث إنهم قدوة لغيرهم.
﴿فأجمعوا كيدكم﴾ أي: من السحر وغيره، فلا تدعوا منه شيئاً إلا جئتم به، وقرأ أبو عمرو بهمزة الوصل بين الفاء والجيم، وفتح الميم، والباقون بهمزة مقطوعة وكسر الميم ﴿ثم ائتوا﴾ أي: للقاء موسى وهارون ﴿صفاً﴾ أي مصطفين؛ لأنه أهيب في صدور الرائين.
(٥/٢٧٦)
تنبيه: اختلفوا في عدد السحرة، فقال الكلبي: كانوا اثنين وسبعين ساحراً؛ اثنان من القبط، وسبعون من بني إسرائيل، وقال عكرمة: كانوا تسعمائة؛ ثلاثمائة من الفرس، وثلاثمائة من الروم، وثلاثمائة من الاسكندرية، وقال وهب: خمسة عشرة ألفاً، وقال السدي: بضعة وثلاثون ألفاً، وقال القاسم بن سلام: كانوا سبعين ألفاً، وقيل: اثني عشر ألفاً مع كل منهم على كل قول حبل وعصا، وأقبلوا عليه إقبالة واحدة، وظاهر القرآن لا يدل على شيء من هذه الأقوال.


الصفحة التالية
Icon