فإن قيل: لم وحد الساحر ولم يجمع؟ أجيب بأن القصد من هذا الكلام معنى الجنسية لا معنى العدد، فلو جمع خيل أن المقصود هو العدد؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿ولا يفلح الساحر﴾ أي هذا الجنس ﴿حيث أتى﴾ أي: كيفما سار، وقال ابن عباس: لا يسعد حيث كان، وقيل: معناه حيث احتال، فإنه إنما يفعل ما لا حقيقة له.
فإن قيل: لم نكر أولاً، ثم عرف ثانياً أجيب بأنه قال: هذا الذي أتوا به قسم واحد من أقسام السحر لا فائدة فيه، ولا شك أن الكلام على هذا الوجه أبلغ، ثم أنه امتثل ما أمره به ربه من إلقاء العصا، فكان ما وعده به سبحانه من تلقفها لما صنعوا من غير أن يظهر عليها زيادة في ثخن ولا في غيره مع أن حبالهم وعصيهم كانت شيئاً كثيراً، فعلم كل من رأى ذلك حقيته، وبطلان ما فعل السحرة، فبادر السحرة منهم إلى الخضوع لأمر الله تعالى ساجدين مبادرة من كأنه ألقاه ملق على وجهه، ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر مكرهم واجتهادهم في معارضة موسى عليه السلام، وحذف ذكر الإلقاء، وما سببه من التلقف؛ لأن مقصود السورة القدرة على تليين القلوب القاسية.
(٥/٢٨١)