وقيل: إنَّ الملوك في ذلك الزمان كانوا يأخذون البعض من رعيتهم، ويكلفونه تعلم السحر، فإذا شاخ بعثوا إليه أحداثاً ليعلمهم ليكون في كل وقت من يحسنه. ولما كان التقدير فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة عطفوا عليه مستحضرين لكماله ﴿والله﴾ أي: الجامع لصفات الكمال ﴿خير﴾ جزاء منك فيما وعدتنا به ﴿وأبقى﴾ ثواباً وعقاباً قال أبو حيان: والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ومن اتبعكما الغالبون﴾ (القصص، ٣٥)، وقال الرازي: ليس في القرآن أنَّ فرعون فعل بأولئك القوم المؤمنين ما أوعدهم، ولم يثبت في الأخبار، وقال البقاعي: سيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم، ثم عللوا هذا الحكم بقولهم:
﴿إنه﴾ أي: الأمر والشأن ﴿من يأت ربه﴾ أي: الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه ﴿مجرماً﴾ بأن يموت على كفره ﴿فإن له جهنم﴾ دار الإهانة ﴿لا يموت فيها﴾ فيستريح من عذابها بخلاف عذابك، فإن آخره الموت وإن طال ﴿ولا يحيى﴾ فيها حياة مهنأة، وبها يندفع ما قيل: إن الجسم الحيِّ لا بد أن يبقى إمَّا حياً أو ميِّتاً، فخلوه عن الوصفين محال، وقال بعضهم: إن لنا حالة ثالثة، وهي كحالة المذبوح قبل أن يهدأ، فلا هو حي لأنه قد ذبح ذبحاً لا تبقى الحياة معه، ولا هو ميت؛ لأن الروح لم تفارقه بعد، فهي حالة ثالثة
﴿ومن يأته﴾ أي: ربه الذي قد أوجده ورباه ﴿مؤمناً﴾ أي: مصدقاً به ﴿قد﴾ ضم إلى تصديق الإيمان أنه ﴿عمل﴾ أي: في الدنيا الصالحات أي: التي أمر بها، فكان صادق الإيمان مستلزماً لصالح الأعمال ﴿فأولئك﴾ أي: العالوا الرتبة ﴿لهم الدرجات العلى﴾ جمع علياء مؤنث أعلى التي لا نسبة لدرجاتك التي أوعدتناها إليها، ثم بينوها بقولهم:
(٥/٢٨٦)


الصفحة التالية
Icon