تنبيه قوله تعالى: وهم يلعبون لاهية قلوبهم حالان مترادفتان، أو متداخلتان، ولما ذكر تعالى ما يظهرونه في حالة الاستماع من اللهو واللعب ذكر ما يخفونه بقوله تعالى عطفاً على استمعوه: ﴿وأسروا﴾ أي: الناس المحدّث عنهم ﴿النجوى﴾ أي: بالغوا في إسرار كلامهم، وقوله تعالى: ﴿الذين ظلموا﴾ بدل من واو وأسروا للإيماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به أومبتدأ والجملة المتقدمة خبره، والمعنى: وهؤلاء أسروا النجوى، فوضع المظهر موضع المضمر تسجيلاً على فعلهم بأنه ظلم، وقيل: جاء على لغة من قال: أكلوني البراغيث وقيل: منصوب المحل على الذم، ثم بيّن تعالى ما تناجوا به بقوله تعالى: ﴿هل﴾ أي: فقالوا في تناجيهم هذا، معجبين من ادعائه النبوّة مع مماثلته لهم في البشرية هل ﴿هذا﴾ الذي أتاكم بهذا الذكر ﴿إلا بشر مثلكم﴾ أي: في خلقه وأخلاقه من الأكل والشرب، والحياة والممات، فكيف يختص عنكم بالرسالة ما هذا الذي جاءكم به مما لا تقدرون على مثله إلا سحر لا حقيقة له، فحينئذٍ تسبب عن هذا الإنكار قولهم: ﴿أفتأتون السحر وأنتم﴾ أي: والحال أنكم ﴿تبصرون﴾ بأعينكم أنه بشر مثلكم، فكأنهم استدلوا بكونه بشراً على كذبه في ادعاء النبوة و الرسالة لاعتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكاً، واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر، فأنكروا حضوره.
فإن قيل: لم أسروا هذا الحديث وبالغوا في إخفائه أجيب: بأن ذلك كان يشبه التشاور فيما بينهم، والتحاور في طلب الطريق إلى هدم أمره، وعادة المتشاورين في خطب أن لا يشركوا أعداءهم في مشورتهم، و يجتهدوا في طي سرهم عنهم ما أمكن واستطيع.
(٥/٣٣٦)


الصفحة التالية
Icon