﴿خلق الإنسان من عجل﴾ كأنه خلق منه لفرط استعجاله وقلة ثباته، والعرب تقول للذي يكثر منه الشيء: خلقت منه كقولك: خلق زيد من الكرم، فجعل ما طبع عليه بمنزلة المطبوع هو منه مبالغة في لزومه له، ولذلك قيل: إنه على القلب أي: خلق العجل من الإنسان، ومن عجلته مبادرته إلى الكفر، واستعجال الوعد، وقال سعيد بن جبير والسدّي: لما دخل الروح في رأس آدم وعينيه نظر إلى ثمار الجنة، فلما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح إلى رجليه عجلاً إلى ثمار الجنة، فوقع، فقيل: خلق الإنسان من عجل، والمراد بالإنسان آدم وأورث أولاده العجلة، وقال قوم: معناه خلق الإنسان يعني آدم عليه السلام من تعجيل في خلق الله تعالى إياه لأن خلقه كان بعد خلق كل شيء في آخر النهار يوم الجمعة، فأسرع في خلقه قبل مغيب الشمس، قال مجاهد: فلما أحيا الروح رأسه قال: يارب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس وقيل بسرعة وتعجيل على غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة وغيرها، وقال قوم: من عجل أي: من طين قال الشاعر:
*والنبع في الصخرة الصماء منبته
... والنخل ينبت بين الماء والعجل
ثم قال تعالى مهدداً للمكذبين: ﴿سأريكم آياتي﴾ أي: مواعيدي بالعذاب ﴿فلا تستعجلون﴾ أي: تطلبون أن أوجد العجلة بالعذاب، أو غيره فإني منزه عن العجلة التي هي من جملة نقائصكم؛ لأنها إرادة الشيء قبل أوانه فإن قيل: لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله: خلق الإنسان من عجل وقوله تعالى: ﴿وكان الإنسان عجولاً﴾، أليس هذا من تكليف ما لا يطاق؟ أجيب: بأن هذا كما ركب فيه الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة، وقد أراهم بعض آياته وهو القتل ببدر.
(٥/٣٥٩)


الصفحة التالية
Icon