﴿وعلمناه صنعة لبوس﴾ أي: صنعة الدروع التي تلبس في الحرب؛ قال قتادة: أوّل من صنع هذه الدروع وسردها واتخذها حلقاً داود، وكانت من قبل صفائح، وقد ألان الله تعالى لداود الحديد فكان يعمل منه بغير نار كأنه طين؛ قال البغوي: وهو أي: اللبوس في اللغة: اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب، وقوله تعالى: ﴿لكم﴾ متعلق بعلم أو صفة للبوس، وقوله تعالى: ﴿لتحصنكم من بأسكم﴾ بدل منه بدل اشتمال بإعادة الجار ومرجع الضمير يختلف باختلاف القراءات، فقرأ شعبة بالنون فالضمير لله تعالى، وقرأ ابن عامر وحفص بالتاء على التأنيث، فالضمير للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع، وقرأ الباقون بالياء التحتية، فالضمير لداود أو للبوس، وقوله تعالى: ﴿فهل أنتم شاكرون﴾ أي: لنا على ذلك أمر أخرجه في صورة الاستفهام للمبالغة أو التقريع، ومن بعض معجزات الثاني ما ذكره بقوله:
﴿ولسليمان﴾ أي: وسخر لسليمان ﴿الريح﴾ قال البغوي: وهو هواء يتحرّك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه، ويظهر للحس بحركته والريح تذكر وتؤنث ﴿عاصفة﴾ أي: شديدة الهبوب فإن قيل: قد قال تعالى في موضع آخر تجري بأمره رخاء، والرخاء اللين؟ أجيب: بأنها كانت تحت أمره إن أراد أن تشتدّ اشتدّت، وإن أراد أن تلين لانت، وقيل: كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرّت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة على ما قال تعالى: ﴿غدوها شهر ورواحها شهر﴾ (سبأ، ١٢)
(٥/٣٨٧)
وقوله تعالى: ﴿تجري بأمره﴾ أي: بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأوّل أو حال من ضميرها ﴿إلى الأرض التي باركنا فيها﴾ أي: الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم يعود إلى منزله بالشام.


الصفحة التالية
Icon