﴿بسم الله﴾ أي: الذي اقتضت عظمته خضوع كل شيء ﴿الرحمن﴾ الذي عمّ برحمته كل موجود ﴿الرحيم﴾ الذي خص بفضله من شاء من عباده. ولما ختمت السورة التي قبل هذه بالترهيب من الفزع الأكبر وطي السماء وإتيان ما يوعدون، وكان أعظم ذلك يوم الدين افتتحت هذه السورة بالأمر بالتقوى المنجية من هول ذلك اليوم بقوله تعالى:
(٥/٤٣٠)
﴿يا أيها الناس﴾ أي: الذين تقدّم أوّل تلك أنه اقترب لهم حسابهم إن أريد أنّ ذلك عام وإلا فهم وغيرهم ﴿اتقوا﴾ أي: احذروا عقاب ﴿ربكم﴾ أي: المحسن إليكم بأنواع الإحسان بأن تجعلوا بينكم وبين عقابه وقاية الطاعات، ولما أمرهم بالتقوى علل ذلك مرهباً لهم بقوله تعالى: ﴿إنّ زلزلة الساعة﴾ أي: حركتها الشديدة للأشياء على الإسناد المجازي، فتكون الزلزلة مصدراً مضافاً إلى فاعله، ويصح أن يكون إلى المفعول فيه على طريق الاتساع في الظرف وإجرائه مجرى المفعول به كقوله تعالى: ﴿بل مكر الليل والنهار﴾ (سبأ، ٣٣)، وهي الزلزلة المذكورة في قوله تعالى: ﴿إذا زلزلت الأرض زلزالها﴾ (الزلزلة، ١)
واختلف في وقتها، فعن الحسن أنها تكون يوم القيامة، وعن علقمة والشعبي عند طلوع الشمس من مغربها الذي هو أقرب للساعة ﴿شيء عظيم﴾ أي: أمر كبير وخطر جليل وحادث هائل لا تحتمل العقول وصفه وهذا للزلزلة نفسها، فكيف بجميع ما يحدث في ذلك اليوم الذي لا بدّ لكم من الحشر فيه إلى الله تعالى ليجازيكم على ما كان منكم لا ينسى منه نقير ولا قطمير
﴿يوم ترونها﴾ أي: الزلزلة أو الساعة، أو كل مرضعة أضمرها قبل الذكر تهويلاً للأمر، وترويعاً للنفس ﴿تذهل﴾ بسبب ذلك ﴿كل مرضعة﴾ أي: بالفعل أي: تنسى وتغفل حائرة مدهوشة، والعامل في يوم تذهل.


الصفحة التالية
Icon