(٥/٤٣٦)
قدرتنا وحكمتنا، وإنّ من قدر على خلق البشر من التراب والماء أوّلاً، ثم من نطفة ثانياً، ولا تناسب بين التراب والماء وقدر على أن يجعل النطفة علقة وبينهما تباين ظاهر، ثم يجعل العلقة مضغة والمضغة عظاماً قدر على إعادة ما أبدأه بل هو أدخل في القدرة من تلك وأهون في القياس، وورود الفعل غير معدّى إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يحيط به الوصف ولا يكتنهه الذكر ﴿ونقرّ في الأرحام﴾ أي: من ذلك الذي خلقناه ﴿ما نشاء﴾ إتمامه ﴿إلى أجل مسمى﴾ هو وقت الوضع وأدناه بعد ستة أشهر وأقصاه آخر أربع سنين بحسب قوّة الأرحام وضعفها، وقوّة المخلقات وضعفها وكثرة تغذيه من الدماء، وقلته إلى غير ذلك من أحوال وشؤون لا يعلمها إلا باريها جلت قدرته وتعالت عظمته، وما لم نشأ إقراره مجته الأرحام وأسقطته دون التمام، أو تحرقه فيضمحل.
المرتبة الخامسة: قوله تعالى: ﴿ثم نخرجكم طفلاً﴾ وهو معطوف على نبين، ومعناه خلقناكم مدرّجين هذا التدريج لغرضين أحدهما: أن نبين قدرتنا، والثاني: أن نقرّ في الأرحام من نقرّ حتى تولدوا في حال الطفولية من صغر الجثة وضعف البدن والسمع والبصر، وجميع الحواس لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم وعظم أجسامكم.
المرتبة السادسة: قوله تعالى: ﴿ثم﴾ أي: نمدّ أجلكم ﴿لتبلغوا﴾ بهذا الانتقال في أسنان الأجسام من الرضاع إلى المراهقة إلى البلوغ إلى الكهولة ﴿أشدكم﴾ أي: الكمال والقوّة، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين جمع شدّة كالأنعم جمع نعمة كأنه شدّة في الأمور.
(٥/٤٣٧)


الصفحة التالية
Icon