ولما قال تعالى: ﴿وأنّ الله يهدي من يريد﴾ أنبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه، وبدأ بالقسم الأوّل بقوله: ﴿إن الذين آمنوا﴾ بالله ورسوله وعبر بالفعل ليشمل الإقرار باللسان الذي هو أدنى وجوه الإيمان ثم شرع في القسم الثاني بقوله تعالى: ﴿والذين هادوا﴾ أي: انتحلوا دين اليهودية ﴿والصابئين﴾ وهم فرقة من النصارى سميت بذلك قيل: لنسبتها إلى صابي عم نوح عليه السلام، وقيل: لخروجهم عن دين إلى دين لآخر، وإطلاق الصابئة على هذا هو المشهور وتارة يوافقونهم في أصول دينهم فتحل مناكحتهم وتارة يخالفونهم فلا تحل مناكحتهم وتطلق أيضاً على قوم أقدم من النصارى يعبدون الكواكب السبعة ويضيفون الآثار إليها وينفون الصانع المختار فهؤلاء لا تحل مناكحتهم وقد أفتى الإصطخري والمحاملي بقتلهم لما استفتى القاهر الفقهاء فيهم فبذلوا له أموالاً كثيرة فتركهم والبلاء قديم وقرأ نافع بالياء التحتية بعد الباء والباقون بهمزة مكسورة بعد الباء الموحدة ﴿والنصارى﴾ أي: الذين انتحلوا دين النصرانية ﴿والمجوس﴾ قال قتادة: هم عبدة الشمس والقمر والنيران قال: ﴿والذين اشركوا﴾ هم عبدة الأوثان قال مقاتل: الأديان كلها ستة واحد للرحمن وهو الإسلام، وخمسة للشيطان وقيل: خمسة، أربعة للشيطان، وواحد للرحمن بجعل الصابئين مع النصارى لأنهم فرع منهم كما مر على المشهور وقد تقدّم الكلام على هذه الآية في سورة البقرة ﴿إنّ الله﴾ الذي هو أحكم الحاكمين ﴿يفصل بينهم يوم القيامة﴾ بإدخال المؤمنين الجنة وغيرهم النار وأدخلت إنَّ على كل واحد من جزأى الجملة لزيادة التأكيد ونحوه قول جرير:
*إنّ الخليفة إنّ اللَّه سربله
... سربال ملك به ترجى الخواتيم
(٥/٤٤٧)


الصفحة التالية
Icon