ولما فهم من ذلك حلّ السوائب وما معها وتحريم المذبوح للأنصاب وكان سبب ذلك كله الأوثان تسبب عنه قوله تعالى ﴿فاجتنبوا﴾ أي: بغاية الجهد اقتداء بأبيكم إبراهيم عليه السلام الذي تقدّم الإيصاء له بمثل ذلك عند جعل البيت له مباءة ﴿الرجس﴾ أي: القذر الذي من حقه أنّ يجتنب من غير أمر ثم بينه وميزه بقوله تعالى: ﴿من الأوثان﴾ أي: الذي هو الأوثان كما تجتنب الأنجاس فهو بيان للرجس وتمييز له، كقولك عندي عشرون من الدراهم وسمى الأوثان رجساً وكذا الخمر والميسر والأزلام على طريق التشبيه يعني أنكم كما تنفرون بطباعكم من الرجس وتجتنبونه فعليكم أن تنفروا عن هذه الأشياء مثل تلك النفرة، ونبه على هذا المعنى بقوله تعالى ﴿رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه﴾ (المائدة: ٩٠) جعل العلة في اجتنابه أنه رجس والرجس مجتنب وقوله تعالى ﴿واجتنبوا قول الزور﴾ تعميم بعد تخصيص فإنّ عبادة الأوثان رأس الزور لأنّ المشرك زاعم أنّ الوثن تحق له العبادة كأنه قال فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله لا تقربوا منه شيئاً لتماديه في القبح والسماجة وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان، والزور من الزور والإزورار وهو الانحراف كما أنّ الإفك من أفكه إذا صرفه فإن الكذب منحرف مصروف عن الواقع وقيل: قول الزور قولهم: هذا حلال وهذا حرام. وما أشبه ذلك من افترائهم وقيل: هو قول المشركين في تلبيتهم لبيك لا شريك له إلا شريك هو لك تملكه وما ملك. وقيل: هو شهادة الزور لما روى أبو داود والترمذي «أنّه ﷺ صلى الصبح فلما سلم قام قائماً مستقبل الناس بوجهه الكريم وقال عدلت شهادة الزور الإشراك بالله قالها ثلاثاً وتلا هذه الآية» وقوله تعالى ﴿حنفاء ﴾ أي: مسلمين عادلين عن كل دين سوى دينه ﴿غير مشركين به﴾ تأكيد لما قبله وهما حالان من الواو ﴿ومن يشرك﴾ أي: يوقع شيئاً من الشرك ﴿با﴾ الذي له العظمة كلها بشيء من الأشياء في وقت من