(٥/٤٦٩)
أمّة} أي: جماعة مؤمنة سلفت قبلكم ﴿جعلنا منسكاً﴾ أي: متعبداً وقرباناً يتقرّبون به إلى الله تعالى، وقرأ حمزة والكسائي منسكاً هنا وفي آخر السورة بكسر السين في الموضعين فيكون بمعنى الموضع والباقون بفتحها مصدر بمعنى النسك ﴿ليذكروا اسم الله﴾ أي: الملك لا على وحده على ذبائحهم وقرابتهم لأنه الرازق لهم وحده فيقولون عند النحر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر اللهمّ منك وإليك ثم علل الذكر بالنعمة تنبيها على التفكر فيها فقال تعالى: ﴿على ما رزقهم من بهيمة الأنعام﴾ فوجب شكره لذلك عليهم، وفيه تنبيه على أن القربان يجب أن يكون من الأنعام ﴿فإلهكم﴾ أي: الذي شرع هذه المناسك كلها ﴿إله واحد﴾ وإن اختلفت فروع شرائعه، ونسخ بعضها بعضاً، وإذا كان واحداً وجب اختصاصه بالعبادة فلذا قال تعالى: ﴿فله﴾ وحده ﴿أسلموا﴾ أي: انقادوا بجميع طواهركم وبواطنكم في كل ما أمر به أو نهى عنه ﴿وبشر المخبتين﴾ أي: المطيعين المتواضعين من الخبث، وهو المطمئن من الأرض وقيل: هم الذين لا يظلمون، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
ثم بين علاماتهم بقوله تعالى: ﴿الذين إذا ذكر الله﴾ أي: الذي له الجلال والجمال ﴿وجلت﴾ أي: خافت خوفاً مزعجاً ﴿قلوبهم﴾ فيظهر عليها الخشوع والتواضع لله تعالى ﴿والصابرين﴾ الذين صار الصبر عادتهم ﴿على ما أصابهم﴾ من الكلف والمصائب ولماكان ذلك قد يشغل عن الصلاة قال تعالى ﴿والمقيمي الصلاة﴾ في أوقاتها والمحافظة عليها، وإن حصل لهم من المشاق بأفعال الحج وغيره ما عسى أن يحصل، ولذلك عبر بالوصف دون الفعل إشارة إلى أنه لا يقيمها على الوجه المشروع مع تلك المشاق والشواغل إلا راسخ في حبها فهم لما تمكن حبها في قلوبهم والخوف من الغفلة عنها كأنهم دائماً في صلاة ﴿ومما رزقناهم ينفقون﴾ في وجوه الخير من الهدايا التي يغالون في أثمانها وغير ذلك إحساناً إلى خلق الله تعالى.
(٥/٤٧٠)