(٥/٤٧١)
والمعتر المعترّض وقيل القانع هو المسكين والمعتر الذي ليس بمسكين، ولا تكون له ذبيحة فيجيء إلى القوم فيتعرّض لهم لأجل لحمهم ﴿كذلك﴾ أي مثل هذا التسخير العظيم الذي وصفناه من نحرها قياماً ﴿سخرناها﴾ بعظمتنا التي لولاها ما كان ذلك ﴿لكم﴾ وذللناها ليلاً ونهاراً مع عظمها وقوّتها تأخذونها منقادة فتعقلونها وتحبسونها ولو شئنا لجعلناها وحشية لم تطق ولم تكن بأعجز من بعض الوحش التي هي أصغر منها جرماً وأقل قوّة ﴿لعلكم تشكرون﴾ إنعامنا عليكم لتعرفوا أنّ ما ذللها لكم إلا الله تعالى، فيكون حالكم حال من يرجو شكره فتوقعوا لشكر بأن لا تحرّموا منها إلا ما حرّم عليكم ولا تحلوا منها إلا ما أحلّ، وتهدوا منها ما حث على إهدائه وتتصرفوا بحسب ما أمركم.
ولما حث تعالى على التقرّب بها مذكوراً اسمه عليها قال تعالى: ﴿لن ينال الله﴾ الذي له صفات الكمال ﴿لحومها﴾ المأكولة ﴿ولا دماؤها﴾ المهراقة أي: لا يرفعان إليه ﴿ولكن يناله التقوى منكم﴾ أي: يرفع إليه منكم العمل الصالح الخالص له مع الإيمان، كما قال تعالى: ﴿والعمل الصالح يرفعه﴾ (فاطر: ١٠) أي: يقبله وقيل: كان أهل الجاهلية إذ انحروا البدن نضحوا الدماء حول البيت ولطخوه بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت.
ثم كرّر سبحانه وتعالى التنبيه على عظيم تسخيرها منبهاً على ما أوجب عليهم به بقوله تعالى: ﴿كذلك﴾ أي: التسخير العظيم ﴿سخرها لكم﴾ بعظمته وغناه عنكم ﴿لتكبروا الله على ما هداكم﴾ أي: أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه، كأن تقولوا الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أولانا، فاختصر الكلام بأن ضمن التكبير معنى الشكر وعدّي تعديته.
(٥/٤٧٢)


الصفحة التالية
Icon