ولما بين سبحانه وتعالى فيما تقدّم إخراج الكفار للمؤمنين من ديارهم بغير حق وأذن في مقاتلتهم وضمن لرسوله ﷺ النصرة وبين أنّ الله عاقبة الأمور أردفه بما يرجي مجرى التسلية للنبيّ ﷺ في الصبر على ما هم عليه من أذيته وأذية المؤمنين بالتكذيب وغيره فقال تعالى: ﴿وإن يكذبوك فقد كذبت قبلهم﴾ أي: قبل قومك ﴿قوم نوح﴾ وتأنيث قوم باعتبارالمعنى وتحقير المكذبين في قدرته وإن كانوا من أشدّ الناس ﴿وعاد﴾ أي: ذوو الأبدان الشداد قوم هود ﴿وثمود﴾ ولو الأبنية الطوال في السهول والجبال قوم صالح ﴿وقوم إبراهيم﴾ التجبرون المتكبرون ﴿وقوم لوط﴾ الأنجاس بما لم يسبقهم إليه أحد من الناس ﴿وأصحاب مدين﴾ أرباب الأموال المجموعة من خزائن الضلال فأنت يا أشرف الخلق لست بأوحديّ في التكذيب، فإنّ هؤلاء قد كذبوا رسلهم قبل قومك.
ولما كان موسى عليه السلام قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحدهن تقدّمه فكان تكذيبه في غاية البعد غير سبحانه وتعالى الأسلوب تنبيها على ذلك وعلى أنّ الذين أطبقوا على تكذيبه القبط وأمّا قومه فما كذبه منهم إلا أناس يسير فقال تعالى: ﴿وكذب موسى﴾ وفي ذلك أيضاً تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية ﴿فأمليت للكافرين﴾ أي: أمهلتهم بتأخير العقاب عنهم إلى الوقت الذي ضربته لهم وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال تعالى ﴿ثم أخذتهم﴾ أخذ عزيز مقتدر.
ثم نبه سبحانه وتعالى بالاستفهام في قوله تعالى: ﴿فكيف كان نكير﴾ أي: إنكاري لأفعالهم على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب وأهوال وغرائب حيث أيد لهم بالنعمة محنة، وبالحياة هلاكاً، وبالعمارة خراباً، والاستفهام للتقرير أي: وهو واقع موقعه فليحذر هؤلاء الذين أتبتهم بأعذم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك فإن لم يؤمنوا بك فعلت بهم كما فعلت بهؤلاء وإنكانوا أمكن الناس فلا يحزنك أمرهم.
(٥/٤٧٨)


الصفحة التالية
Icon