فإن قيل: فأي فائدة في ذكر الصدور؟ أجيب: بأن الذي قد تعورف واعتقد أنّ العمى على الحقيقة للبصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها واستعماله في القلب استعارة وتمثيل، فلما أريد إثبات ما هو خلاف المعتقد من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار احتاج هذا التصوير إلى زيادة تبيين وفضل تعريف ليتقرّر أنّ مكان العمى هو القلوب لا الأبصار، كما تقول: ليس المضاء للسيف ولكنه للسانك الذي بين فكيك، فقولك: الذي بين فكيك تقرير لما ادّعيته للسانه وتثبيت؛ لأن محل المضاء هو لا غير، فكأنك قلت: ما نفيت المضاء عن السيف وأثبته للسانك فلتة ولا سهواً مني ولكن تعمدت به إياه بعينه تعمداً. قيل: لما نزل قوله تعالى: ﴿ومن كان في هذه أعمى﴾ فهو في الآخرة أعمى؛ قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله أنا في الدنيا أعمى، أفأكون في الآخرة أعمى، فنزلت:
(٥/٤٨١)
﴿ويستعجلونك بالعذاب﴾ الذي توعدتهم به تكذيباً واستهزاء ﴿و﴾ الحال أنه ﴿لن يخلف الله﴾ أي: الذي لا كفء له ﴿وعده﴾ لامتناع الخلف فيه وفي خبره سبحانه وتعالى فيصيبهم ما وعدهم به، ولو من بعد حين لكنه تعالى حليم لا يعجل بالعقوبة، وقد أنجزه يوم بدر ﴿وإنّ يوماً عند ربك﴾ أي: المحسن إليك بتأخير العذاب عنهم إكراماً لك من أيام الآخرة بالعذاب ﴿كألف سنة مما تعدّون﴾ في الدنيا وطول أيامه حقيقة أو من حيث أنّ أيام الشدائد مستطالة، وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب
﴿وكأين من قرية أمليت لها﴾ أي: أمهلتها كما أمهلتكم ﴿وهي ظالمة﴾ كظلمكم بالاستعجال وغيره ﴿ثم أخذتها﴾ أي: بالعذاب والمراد أهلها ﴿وإليّ المصير﴾ أي: المرجع فينقطع كل حكم دون حكمي ففيه وعيد وتهديد.
فإن قيل: لم قال: ﴿فكأين من قرية أهلكناها﴾ (الحج، ٤٥)