فإن قيل: لم كان إبراهيم أباً للأمة كلها؟ أجيب: بأنه أبو رسول الله ﷺ فكان أباً لأمّته؛ لأنّ أمّة الرسول في حكم أولاده. واختلف في عود ضمير ﴿هو﴾ على قولين أحدهما أنه يعود على إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأنّ لكل نبيّ دعوة مستجابة، ودعوة إبراهيم عليه السلام :﴿ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك﴾، فاستجاب الله تعالى له فجعلها محمداً ﷺ وأمّته، والثاني: أنه يعود على الله تعالى في قوله تعالى: ﴿هو اجتباكم﴾، وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال إن الله تعالى ﴿سمّاكم المسلمين من قبل﴾ أي: في كل الكتب المنزلة التي نزلت قبل إنزال هذا لقرآن ﴿وفي هذا﴾ أي: وسماكم في هذا القرآن الذي أنرل عليكم من بعد إنزال تلك الكتب، وهذا القول كما قال الرازي: أقرب لأنه تعالى قال: ﴿ليكون الرسول شهيداً عليكم﴾ أي: يوم القيامة أنه بلغكم ﴿وتكونوا شهداء على الناس﴾ أي: أنّ رسلهم بلغتهم، فبيّن أنه تعالى سمّاهم بذلك لهذا الغرض، وهذا لا يليق إلا بالله تعالى، وإنما كانوا شهداء على الناس لسائر الأنبياء؛ لأنهم لم يفرقوا بين أحد منهم وعلموا أنّ أخبارهم من كتابهم على لسان نبيهم محمد ﷺ فلذلك صحت شهادتهم وقبلها الحكم العدل وعن كعب أعطيت هذا الأمة ثلاثاً لم يعطهن إلا الأنبياء: جعلهم شهداء على الناس وما جعل عليهم في الدين من حرج، وقال تعالى: ﴿ادعوني أستجب لكم﴾، وعن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال: لم يذكر الله بالإيمان والإسلام غير هذه الأمّة ذكرها بهما وكرّرهما جميعاً، ولم يسمع بأمة ذكرت بالإسلام والإيمان غيرها وعن مكحول أنّ النبيّ ﷺ قال: «تسمى الله عز وجل باسمين سمى بهما أمّتي؛ هو السلام وسمى أمتي المسلمين، وهو المؤمن وسمى أمتي المؤمنين».
(٦/٧)