المرتبة السابعة: قوله تعالى: ﴿ثم أنشأناه﴾ أي: هذا المحدث عنه بعظمتنا ﴿خلقاً آخر﴾ أي: خلقاً مبايناً للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيواناً، وكان جماداً وناطقاً، وكان أبكم وسميعاً، وكان أصم وبصيراً وكان أكمه وأودع ظاهره وباطنه بل كل عضو من أعضائه وكل جزء من أجزائه عجائب فطره وغرائب حكمه لا تدرك بوصف الواصف، ولا تبلغ بشرح الشارح، وثم لما بين الخلقين من التفاوت؛ قال الزمخشري: وقد احتج به أبو حنيفة رحمه الله فيمن غصب بيضة فأفرخت عنده، فقال: يضمن البيضة ولا يرد الفرخ؛ لأنه خلق آخر سوى البيضة، اه. ولما كان هذا التفصيل لتطوير الإنسان سبباً لتعظيم الخالق؛ قال تعالى: ﴿فتبارك الله﴾ أي: تنزه عن كل شائبة نقص وحاز جميع صفات الكمال، وأشار إلى جمال الإنسان بقوله تعالى: ﴿أحسن الخالقين﴾ أي: المقدرين، ومميز أحسن محذوف أي: خلقا. روي «عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ لما بلغ قوله ﴿خلقاً آخر﴾ قال: فتبارك الله أحسن الخالقين» وروي «أنّ عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله ﷺ فنطق بذلك قبل إملائه فقال له رسول الله ﷺ اكتب هكذا فنزلت فقال عبد الله: إن كان محمد نبياً يوحى إليه فأنا نبي يوحى إليّ»، فلحق بمكة كافراً، ثم أسلم يوم الفتح، وروى «سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الآية قال عمر بن الخطاب: فتبارك الله أحسن الخالقين فقال رسول الله ﷺ هكذا أنزلت يا عمر وكان عمر يقول: وافقني ربي في أربع: الصلاة خلف المقام، وضرب الحجاب على النسوة، وقولي لهن أو ليبدلن الله خيراً منكن فنزل قوله تعالى: ﴿عسى ربه إن طلقكن﴾ (التحريم، ٥)
(٦/١٩)


الصفحة التالية
Icon