﴿إن﴾ أي: ما ﴿هو إلا رجل به جنة﴾ أي: جنون ولأجله يقول ما يدعيه ﴿فتربصوا به﴾ أي: فتسبب عن الحكم بجنونه إنا نأمركم بالكف عنه لأنه لا حرج على جنونه ﴿حتى﴾ أي: إلى ﴿حين﴾ لعله يفيق أو يموت، فكأنه قيل: فما قال؟ فقيل:
﴿قال﴾ عندما أيس من فلاحهم ﴿رب انصرني﴾ أي: أعني عليهم ﴿بما كذبون﴾ أي: بسبب تكذيبهم لي فإن تكذيب الرسول استخفاف بالمرسل.
﴿فأوحينا﴾ أي: فتسبب عن دعائه أنّ أوحينا ﴿إليه أنّ اصنع الفلك﴾ أي: السفينة ﴿بأعيننا﴾ أي: إنه لا يغيب عنا شيء من أمرك ولا من أمرهم، وأنّ تعرف قدرتنا على كل شيء، فثق بحفظنا ولا تخف شيئاً من أمرهم، روي أنه لما أوحي إليه أنّ يصنعها على مثال جؤجؤ الطائر؛ قال الجوهري: جؤجؤ الطائر والسفينة صدرهما والجمع الجآجىء. ولما كان لا يعلم الصنعة قال تعالى: ﴿ووحينا﴾ أي: وأمرنا وتعليمنا كيف تصنع، فإنّ جبريل علمه عمل السفينة، ووصف كيفية اتخاذها له، وقد تقدم الكلام عليها مستوفى في سورة هود ﴿فإذا جاء أمرنا﴾ أي: بالهلاك عقب فراغك منها أو بالركوب ﴿وفار التنور﴾ قال ابن عباس: وجه الأرض، وفي القاموس: التنور الكانون يخبز فيه، ووجه الأرض، وعن قتادة: أنه أشرف موضع في الأرض أي: أعلاه، وعن علي: طلع الفجر، وعن الحسن: أنه الموضع المنخفض من السفينة الذي يسيل الماء إليه، وقيل: هو مثل كقولهم: حمي الوطيس، والأقرب كما قال الرازي، وعليه أكثر المفسرين، هو التنور المعروف بتنور الخباز، فيكون له فيه آية، روي أنه قيل لنوح: إذا رأيت الماء يفور في التنور فاركب أنت ومن معك في السفينة، فلما نبع الماء من التنور أخبرته امرأته، فركب وقيل: كان تنور آدم، وكان من حجارة، فصار إلى نوح، واختلف في مكانه، فعن الشعبي في مسجد الكوفة عن يمين الداخل مما يلي باب كندة، وكان نوح عمل السفينة وسط المسجد، وقيل: بالشام بموضع يقال له عين وردة، وقيل: بالهند.
(٦/٢٧)


الصفحة التالية
Icon