﴿قال رب﴾ أيها المحسن إليّ بالرسالة وبإرسالي إليهم وبغيره من أنواع النعم ﴿انصرني﴾ أي: أوقع لي النصر ﴿بما كذبون﴾ فأجابه ربه بأن:
﴿قال عما قليل﴾ من الزمان وما زائدة وأكدت القلة بزيادتها ﴿ليصبحن﴾ أي: ليصيرنّ ﴿نادمين﴾ أي: على كفرهم وتكذيبهم إذا عاينوا العذاب.
﴿فأخذتهم الصيحة﴾ أي: صيحة العذاب والهلاك كائنة ﴿بالحق﴾ أي: الأمر الثابت من العذاب الذي لا يمكن مدافعته لهم ولا لغيرهم غير الله تعالى فماتوا، وقيل: صيحة جبريل عليه السلام، ويكون القوم ثمود على الخلاف السابق ﴿فجعلناهم﴾ بسبب الصيحة ﴿غثاء﴾ أي: مطروحين ميتين كما يطرح الغثاء شبهوا في دمارهم بالغثاء وهو حميل السيل مما بلي واسودّ من الورق والعيدان ومنه قوله: ﴿فجعله غثاء أحوى﴾ (الأعلى، ٥)
(٦/٣٣)
أي: أسود يابساً، ولما كان هلاكهم على هذا الوجه سبباً لهوانهم عبر عنه بقوله تعالى: ﴿فبعداً﴾ أي: هلاكاً وطرداً عن الرحمة ﴿للقوم الظالمين﴾ الذين وضعوا قوّتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم.
تنبيه: يحتمل هذا الدعاء عليهم والإخبار عنهم، ووضع الظاهر موضع ضميرهم للتعليل وبعداً وسحقاً ونفراً وتخويفاً ونحوها مصادر موضوعة مواضع أفعالها وهي من جملة المصادر التي قال سيبويه: نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها.
القصة الثالثة: المذكورة في قوله تعالى:
﴿ثم أنشأنا﴾ أي: بعظمتنا التي يضرها تقديم ولا تأخير ﴿من بعدهم﴾ أي: من بعد من قدّمنا ذكره من نوح والقرن الذي بعده ﴿قرونا﴾ أي: أقواماً ﴿آخرين﴾ فهو سبحانه وتعالى تارة يقص علينا في القرآن مفصلاً كما تقدم، وتارة يقص مجملاً كما هنا، وقيل: المراد قصة لوط وشعيب وأيوب ويوسف عليهم السلام، وعن ابن عباس: بني إسرائيل، ثم إنه تعالى أخبر بأنه لم يعجل على أحد منهم قبل الأجل الذي أجل لهم بقوله تعالى:
﴿ما تسبق من أمة أجلها﴾ أي: الذي قدر لها بأنّ تموت قبله ﴿وما يستأخرون﴾ عنه.