﴿يا أيها الرسل كلوا من الطيبات﴾ على وجوه؛ أحدها: أنه محمد ﷺ وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة، ثانيها: أنه عيسى عليه السلام ؛ لأنه روي أنّ عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه، ثالثها: أنه كل رسول خوطب بذلك، ووصي به لأنه تعالى في الأزل متكلم آمر ناهٍ، ولا يشترط في الأمر وجود المأمورين بل الخطاب أزلاً على تقدير وجود المخاطبين، فقول البيضاوي: لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أنّ كلاً منهم خوطب به في زمانه، تبع فيه «الكشاف»، فإن المعتزلة أنكروا قدم الكلام فحملوا الآية على خلاف ظاهرها، وأنت خبير بأنّ عدم اشتراط ما ذكر إنما هو في التعلق المعنوي لا التنجيزي الذي الكلام فيه، فإنه مشروط فيه ذلك، وإنما خاطب جميع الرسل بذلك ليعتقد السامع أنّ أمراً خوطب به جميع الرسل ووصوا به حقيق أنّ يؤخذ به ويعمل عليه، وهذا كما قال الرازي أقرب؛ لأنه روي «عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله ﷺ بقدح من لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم، فرد ﷺ إليها وقال: من أين لك هذا؟ فقالت: من شاة لي، ثم رده ﷺ وقال: من أين هذه الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي، فأخذه ثم إنها جاءته فقالت: يا رسول الله لم رددته؟ فقال ﷺ بذلك أمرت الرسل أنّ لا تأكل إلا طيباً، ولا تعمل إلا صالحاً»، والمراد بالطيب الحلال، وقيل:
(٦/٤٠)