﴿فتقطعوا﴾ أي: الأمم وإنما أضمرهم لوضوح إرادتهم؛ لأنّ الآية التي قبلها قد صرحت بأنّ الأنبياء ومن نجا منهم أمة واحدة لا خلاف بينهما، فعلم قطعاً أنّ الضمير للأمم، ومن نشأ بعدهم ولذلك كان النظر إلى الأمر الذي كان واحداً أهم فقدم، وقوله: ﴿أمرهم﴾ أي: دينهم بعد أنّ كان مجتمعاً متصلاً ﴿بينهم﴾ وقوله تعالى: ﴿زبراً﴾ حال من فاعل تقطعوا أي: أحزاباً متخالفين، فصاروا فرقاً كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من الأديان المختلفة جمع زبور بمعنى الفرقة، وقيل: معنى زبراً كتباً أي: تمسك كل قوم بكتاب فآمنوا به وكفروا بما سواه من الكتب ﴿كل حزب﴾ أي: فرقة من المتحزبين ﴿بما لديهم﴾ أي: عندهم من ضلال وهدى، وقرأ حمزة بضم الهاء والباقون بكسرها ﴿فرحون﴾ أي: مسرورون فضلاً عن أنهم راضون، وقوله تعالى:
﴿فذرهم﴾ خطاب للنبي ﷺ أي: اترك كفار مكة ﴿في غمرتهم﴾ أي: ضلالتهم، شبهها بالماء الذي يغمر القامة لأنهم مغمورون فيها ﴿حتى حين﴾ أي: إلى أنّ يقتلوا أو يموتوا، سلى رسول الله ﷺ بذلك ونهى عن الاستعجال بعذابهم والجزع من تأخيره، ولما كان الموجب لغرورهم ظنهم أنّ حالهم في بسط الأرزاق من الأموال والأولاد حالة رضا عنهم أنكر ذلك عليهم تنبيهاً لمن سبقت له السعادة، و كتبت له الحسنى وزيادة فقال تعالى:
﴿أيحسبون﴾ أي: لضعف عقولهم، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها ﴿أنما نمدهم﴾ أي: نعطيهم ونجعله مدداً لهم ﴿به من مال﴾ نيسره لهم ﴿وبنين﴾ نمتعهم بهم، ثم أخبر عن أنّ بقوله تعالى:
(٦/٤٢)