﴿والذين يؤتون﴾ أي: يعطون ﴿ما آتوا﴾ أي: ما أعطوا من الصدقة والأعمال الصالحة، وهذه الصفة الرابعة ﴿وقلوبهم وجلة﴾ أي: شديدة الخوف أنّ لا يقبل منهم ولا ينجيهم من عذاب الله، ثم علل ذلك بقوله تعالى: ﴿أنهم إلى ربهم﴾ أي: الذي طال إحسانه إليهم ﴿راجعون﴾ بالبعث، فيجازيهم على النقير والقطمير، ويجزيهم بكل قليل وكثير، وهو الناقد البصير، ولا تنفع هناك الندامة، وليس هناك إلا الحكم العدل والحكم القاطع من جهة مالك الملك؛ قال الحسن البصري: المؤمن جمع إيماناً وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمناً، ثم أثبت لهم ما أفهم أنّ ضده لأضدادهم بقوله تعالى:
﴿أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون﴾ أي: يبادرون إلى الأعمال الصالحة قبل الموت، ولما ذكر تعالى كيفية أعمال المؤمنين المخلصين ذكر أنه تعالى لا يكلف أحداً فوق طاقته بقوله تعالى:
﴿ولا نكلف نفساً إلا وسعها﴾ أي: طاقتها، فمن لم يستطع أن يصلي الفرض قائماً فليصل قاعداً، ومن لم يستطع أنّ يصلي قاعداً فليصل مضطجعاً، ومن لم يستطع أنّ يصوم رمضان فليفطر؛ لأنّ مبنى المخلوق على العجز ﴿ولدينا﴾ أي: وعندنا ﴿كتاب ينطق بالحق﴾ بما عملته كل نفس، وهو اللوح المحفوظ تسطر فيه الأعمال، وقيل: كتب الحفظة ونظيره قوله تعالى: ﴿هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق﴾ (الجاثية، ٢٩)، وقوله تعالى: ﴿لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها﴾ (الكهف، ٤٩)، فشبه تعالى الكتاب بمن يصدر عنه البيان، فإن الكتاب لا ينطق لكنه يعرف بما فيه كما يعرف بنطق الناطق إذا كان محقاً فإن قيل: ما فائدة ذلك الكتاب مع أنّ الله تعالى يعلم ذلك إذ لا تخفى عليه خافية؟ أجيب: بأنّ الله تعالى يفعل ما يشاء، وقد يكون في ذلك حكمة لا يطلع عليها إلا هو تعالى ﴿وهم﴾ أي: الخلق كلهم ﴿لا يظلمون﴾ أي: لا ينقص من حسناتهم، ولا يزاد في سيئاتهم، ثم ذكر حال الكفار فقال تعالى:
(٦/٤٤)


الصفحة التالية
Icon