ولما كانت هذه الأقسام منفية عنه فإنهم أعرف الناس بهذا النبي الكريم، وإنه أكملهم خلقاً وأشرفهم خلقاً، وأظهرهم شيماً، وأعظمهم همماً، وأرجحهم عقلاً وأمتنهم رأياً، وأرضاهم قولاً وأصوبهم فعلاً أضرب عنها وقال تعالى: ﴿بل﴾ أي: لم ينكصوا عند سماع الآيات ويسمروا ويهجروا لاعتقاد شيء مما مضى، وإنما فعلوا ذلك لأنّ هذا الرسول الكريم ﴿جاءهم بالحق﴾ أي: القرآن المشتمل على التوحيد وشرائع الإسلام، وقال الجلال المحلي: الاستفهام فيه للتقرير بالحق من صدق النبي ومجيء الرسول للأمم الماضية ومعرفة رسولهم بالصدق والأمانة وأنّ لا جنون به، وبل للانتقال ﴿وأكثرهم﴾ أي: والحال أنّ أكثرهم ﴿للحق كارهون﴾ متابعة للأهواء الردية والشهوات البهيمية عناداً، وإنما قيد تعالى الحكم بالأكثر؛ لأنّ بعضهم يتركه جهلاً وتقليداً وخوفاً من أنّ يقال صبأ، وبعضهم يتبعه توفيقاً من الله تعالى وتأييداً، ثم بين تعالى أنّ اتباع الهوى يؤدي إلى الفساد العظيم بقوله تعالى:
﴿ولو اتبع الحق﴾ أي: القرآن ﴿أهواءهم﴾ بأنّ جاء بما يهووه من الشرك والولد لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ﴿لفسدت السموات﴾ على علوها وإحكامها ﴿والأرض﴾ على كثافتها وانتظامها ﴿ومن فيهن﴾ على كثرتهم وانتشارهم وقوّتهم أي: خرجت عن نظامها المشاهد بسبب ادعائهم تعدد الآلهة لوجود التمانع في الشيء عادة عند تعدد الحاكم كما سبق تقريره في قوله تعالى: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (الأنبياء، ٢٢)، ﴿بل أتيناهم﴾ بعظمتنا ﴿بذكرهم﴾ أي: بالقرآن الذي فيه ذكرهم وشرفهم، وقيل: بالذكر الذي تمنوه بقولهم: لو أنّ عندنا ذكراً من الأولين ﴿فهم عن ذكرهم﴾ أي: الذي هو شرفهم ﴿معرضون﴾ لا يلتفتون إليه، ثم بين تعالى أنّ النبي ﷺ لا يطمع فيهم حتى يكون ذلك سبباً لنفرتهم بقوله تعالى:
(٦/٤٩)


الصفحة التالية
Icon