﴿ولو رحمناهم﴾ أي: عاملناهم معاملة المرحوم في إزالة ضرره وهو معنى قوله تعالى: ﴿وكشفنا ما بهم من ضر﴾ أي: جوع أصابهم بمكة سبع سنين ﴿للجوا﴾ أي: عادوا وتمادوا ﴿في طغيانهم﴾ الذي كانوا عليه قبل هذا ﴿يعمهون﴾ أي: يترددون.
﴿ولقد أخذناهم بالعذاب﴾ وذلك أنّ النبي ﷺ دعا على قريش أنّ يجعل عليهم سنين كسني يوسف، فأصابهم القحط، فجاء أبو سفيان إلى النبي ﷺ فقال: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقال: بلى، فقال: قد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فقد أكلوا الفرث والعظام والعلهز وشكا إليه الضرع فادع الله تعالى يكشف عنا هذا القحط فدعا فكشف عنهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.
تنبيه: العلهز وبر يخلط بدماء اللحم، فيؤكل في الجدب والعلهز أيضاً: القراد الضخم، وشكا بعض الأعراب إلى النبي ﷺ السنة فقال:
*ولا شي مما يأكل الناس عندنا
... سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل
*وليس لنا إلا إليك فرارنا
... وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
فقام رسول الله ﷺ «واستسقى لرفع هذه المحن» فقال الله تعالى عنهم: ﴿فما استكانوا﴾ أي: خضعوا خضوعاً هو كالجبلة لهم وأصله طلب السكون ﴿لربهم﴾ أي: المحسن إليهم عقب المحنة ﴿وما يتضرعون﴾ أي: يجددون الدعاء بالخضوع والذل والخشوع في كل وقت بحيث يكون لهم عادة بل هم على ما جبلوا عليه من الاستكبار والعتو.
﴿حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا﴾ أي: صاحب ﴿عذاب شديد﴾ قال ابن عباس: يعني القتل يوم بدر، وهو قول مجاهد، وقيل: هو الموت، وقيل: هو قيام الساعة ﴿إذا هم فيه﴾ أي: ذلك الباب مطروحون لا يقدرون منه على نوع خلاص ﴿مبلسون﴾ متحيرون آيسون من كل خير، ثم إنه سبحانه التفت إلى خطابهم وبين عظيم نعمته من وجوه:
أحدها: ما ذكره بقوله تعالى:
(٦/٥١)


الصفحة التالية
Icon