﴿بل قالوا﴾ أي: هؤلاء العرب ﴿مثل ما قال الأولون﴾ من قوم نوح ومن بعدهم فقالوا ذلك تقليداً للأولين، ثم حكى الشبهة عنهم من وجهين: أحدهما: ما ذكره بقوله تعالى:
﴿قالوا﴾ أي: منكرين للبعث متعجبين من أمره ﴿أئذا متنا وكنا﴾ أي: بالبلاء بعد الموت ﴿تراباً وعظاماً﴾ نخرة، ثم أكدوا الإنكار بقولهم: ﴿أئنا لمبعوثون﴾ أي: لمحشورون بعد ذلك قالوا ذلك استبعاداً ولم يتأملوا أنهم قبل ذلك أيضاً كانوا تراباً فخلقوا. ثانيهما: ما ذكره بقوله تعالى: إنهم قالوا:
﴿لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا﴾ أي: البعث بعد الموت ﴿من قبل﴾ كأنهم قالوا: إن هذا الوعد كما وقع منه ﷺ فقد وقع قديماً من سائر الأنبياء ولم يوجد مع طول العهد، وظنوا أنّ الإعادة تكون في دار الدنيا، ثم قالوا: ﴿إن﴾ أي: ما ﴿هذا إلا أساطير﴾ أي: أكاذيب ﴿الأولين﴾ كالأضاحيك والأعاجيب جمع أسطورة بالضم، وقيل: جمع أسطار جمع سطر؛ قال رؤبة:
*إني وأسطار سطرن سطراً
وهو ما كتبه الأولون مما لا حقيقة له.
ولما أنكروا البعث هذا الإنكار المؤكد ونفوه هذا النفي المحتم أمره الله تعالى أنّ يقررهم بثلاثة أشياء هم بها مقرون، ولها عارفون يلزمهم من تسليمها الإقرار بالبعث قطعاً:
أحدها: قوله تعالى:
﴿قل﴾ أي: مجيباً لإنكارهم البعث ملزماً لهم ﴿لمن الأرض﴾ أي: على سعتها وكثرة عجائبها ﴿ومن فيها﴾ على كثرتهم واختلافهم ﴿إن كنتم﴾ أي: مما هو كالجبلة لكم ﴿تعلمون﴾ أي: أهلاً للعلم وفيه تنبيه على أنهم أنكروا شيئاً لا ينكره عاقل، ولما كانوا مقرين بذلك أخبر تعالى عن جوابهم قبل جوابهم ليكون من دلائل النبوة وإعلام الرسالة بقوله تعالى استئنافاً:
(٦/٥٤)


الصفحة التالية
Icon