(٦/٥٦)
﴿ما اتخذ الله﴾ أي: الذي لا كفء له ﴿من ولد﴾ أي: لا من الملائكة ولا من غيرهم لما قام من الأدلة على غناه وأنه لا مجانس له، ولما كان الولد أخص من مطلق الشريك قال تعالى: ﴿وما كان معه﴾ أي: بوجه من الوجوه ﴿من إله﴾ يشابهه في الألوهية ﴿إذاً﴾ لو كان معه إله آخر ﴿لذهب كل إله بما خلق﴾ بالتصرف فيه وحده ليتميز ما له مما لغيره.
فإن قيل: إذاً لا تدخل إلا على كلام هو جزاء وجواب، فكيف وقع قوله تعالى: ﴿لذهب﴾ جزاءً وجواباً، ولم يتقدمه شرط ولا سؤال سائل؟ أجيب: بأن الشرط محذوف تقديره ولو كان معه آلهة، وإنما حذف لدلالة قوله تعالى: وما كان معه من إله عليه وهو جواب لمن معه المحاجة من المشركين ﴿ولعلا بعضهم﴾ أي: بعض الآلهة ﴿على بعض﴾ إذا تخالفت أوامرهم، فلم يرض أحد منهم أن يضاف ما خلقه إلى غيره، ولا أن يمضي فيه أمر على غير مراده كما هو مقتضى العادة، فلا يكون المغلوب إلهاً لعجزه ولا يكون مجيراً غير مجار عليه بيده وحده ملكوت كل شيء. ولما طابق الدليل الإلزامي نفي الشريك نزه نفسه الشريفة بما هو نتيجة ذلك من قوله تعالى: ﴿سبحان الله﴾ أي: المتصف بجميع صفات الكمال المنزه عن شائبة كل نقص ﴿عما يصفون﴾ من كل ما لا يليق بجناية المقدس من الأنداد والأولاد لما سبق من الدليل على فساده، ثم أقام دليلاً آخر على كماله يوصفه بقوله تعالى:
﴿عالم الغيب والشهادة﴾ أي: ما غاب وما شوهد، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي برفع الميم على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو، والباقون بالخفض على أنه صفة لله، ثم رتب على هذا الدليل قوله تعالى: ﴿فتعالى﴾ أي: تعاظم ﴿عما يشركون﴾ معه من الآلهة، ثم إن الله تعالى أمر نبيه ﷺ بقوله تعالى:
(٦/٥٧)
﴿قل رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ ﴿إما﴾ فيه إدغام نون إن الشرطية في ما الزائدة أي: إن كان لا بد أن ﴿تريني﴾ لأنَّ ما والنون للتأكيد ﴿ما يوعدون﴾ من العذاب في الدنيا والآخرة.


الصفحة التالية
Icon