فإن قيل: لما قدمت الزانية على الزاني أولاً، ثم قدم عليها ثانياً؟ أجيب: بأن تلك الآية سيقت لعقوبتهما على ما جنيا والمرأة هي المادة التي منها نشأت الجناية؛ لأنها لو لم تطمع الرجل ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن فلما كانت أصلاً وأوّلاً في ذلك بدىء بذكرها، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه الراغب فيه والخاطب، ومنه يبدو الطلب ﴿وحرم ذلك﴾ أي: نكاح الزاني والزانية تحريماً لا مشوبة فيه ﴿على المؤمنين﴾ واختلف العلماء في معنى الآية وحكمها، فقال قوم منهم مجاهد وعطاء وقتادة والزهري والشعبي، ورواية عن ابن عباس قدم المهاجرون لمدينة وفيهم فقراء لا مال لهم ولا عشائر، وبالمدينة نساء بغاياهنّ يومئذٍ أخصب أهل المدينة، فرغب ناس من فقراء المسلمين في نكاحهنّ لينفقن عليهم فاستأذنوا رسول الله ﷺ في ذلك، فنزلت هذه الآية، وحرم ذلك على المؤمنين أن يتزوّجوا تلك البغايا لأنهن كنّ مشركات، وقال عكرمة: نزلت في نساء كن بمكة وبالمدينة لهن رايات يعرفن بهن منهن: أم مهزول جارية السائب بن أبي السائب المخزومي، وكان الرجل ينكح الزانية في الجاهلية يتخذها مأكلة فأراد ناس من المسلمين نكاحهن على تلك الصفة فاستأذن رجل منهم النبي ﷺ في نكاح أم مهزول فاشترطت أن تنفق عليه فنزلت هذه الآية، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي وكان يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، وكانت بمكة بغيّ يقال لها عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية، فلما أتى مكة دعته عناق إلى نفسها، فقال مرثد: إن الله حرم الزنا، فقالت: فانكحني، فقال: حتى أسأل رسول الله ﷺ قال: فأتيت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً، فأمسك رسول الله ﷺ ولم يرد عليّ شيئاً، فنزل: {الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا


الصفحة التالية
Icon