فإن قيل: لم ترك تسميتها؟ أجيب: بأنه تركه تنزيهاً لها عن هذا القال وإبعاداً لصون جانبها العلي عن هذا المراد، وقوله تعالى: ﴿عصبة﴾ خبر إنّ أي: جماعة أقلهم عشرة وأكثرهم أربعون وكذا العصابة وقوله تعالى: ﴿منكم﴾ خطاب للنبي ﷺ وأبي بكر وعائشة وصفوان ومن يعد عندكم في عداد المسلمين يريد عبد الله بن أبيّ وزيد بن رفاعة وحسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ومن ساعدهم، وقوله تعالى: ﴿لا تحسبوه شرّاً لكم﴾ مستأنف أي: لا تنشأ عنه فتنة ولا يصدقه أحد ﴿بل هو خير لكم﴾ لاكتسابكم به الثواب العظيم؛ لأنه كان بلاءً مبيناً ومحنة ظاهرة، وظهور كرامتكم على الله تعالى بإنزال ثمان عشرة آية في براءتكم وتعظيم شأنكم وتهويل الوعيد لمن تكلم فيكم، والثناء على من ظن بكم خيراً كل واحدة منها مستقلة بما هو تعظيم لشأن رسول الله ﷺ وتسلية له، وتبرئة لأم المؤمنين رضوان الله تعالى عليها وتطهير لأهل البيت وتهويل لمن تكلم في ذلك أو سمع به، فلم تمجه أذناه، وعدة ألطاف للسامعين والتالين إلى يوم القيامة، وفوائد دينية وأحكام وآداب لا تخفى على متأمّلها، ولما كان لا شفاء لغيظ الإنسان أعظم من انتصار الملك الديان له علل ذلك بقوله تعالى: ﴿لكل امرىء منهم﴾ أي: الآفكين ﴿ما اكتسب﴾ أي: بخوضه فيه ﴿من الإثم﴾ الموجب لشقائه ﴿والذي تولى كبره﴾ أي: معظمه ﴿منهم﴾ أي: من الخائضين وهو ابن أبيّ فإنه بدأ به وأذاعه عداوة لرسول الله ﷺ أو هو وحسان ومسطح فإنهما تابعاه بالتصريح به والذي بمعنى الذين على هذا ﴿له عذاب عظيم﴾ في الآخرة أو في الدنيا بأن جلدوا وصار ابن أبيّ مطروداً مشهوراً بالنفاق وحسان أعمى أشل اليدين ومسطح مكفوف البصر.
(٦/٨٧)


الصفحة التالية
Icon