فقال له مسطح: نشدتك الله والإسلام والقرابة لا تحوجنا إلى أحد فما كان لنا أول الأمر من ذنب فقال: ألم تتكلم؟ فقال: قد كان بعض ذلك عجباً من قول حسان فلم يقبل عذره، وقال: انطلقوا أيها القوم فإن الله لم يجعل لكم عذراً ولا فرجاً، فخرجوا لا يدرون أين يذهبون وأين يتوجهون من الأرض، وناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدّقوا على من تكلم بشيء من الإفك، فبعث رسول الله ﷺ إلى أبي بكر وقرأ عليه الآية، فلما وصل إلى قوله: ﴿ألا تحبون أن يغفر الله لكم﴾ ﴿والله غفور رحيم﴾ أي: مع كمال قدرته فتخلقوا بأخلاقه قال: بلى يا رب إني أحب أن تغفر لي، فذهب أبو بكر إلى بيته وأرسل إلى مسطح وأصحابه، وقال: قبلت ما أنزل الله تعالى على الرأس والعين وإنما فعلت بكم ما فعلت إذ سخط الله عليكم أما إذ عفا عنكم فمرحبا بكم، وجعل له مثلي ما كان له، وقال: والله لا أنزعها أبداً، وذلك من أعظم أنواع المجاهدات، ولا شك أن هذا أعظم من مقاتلة الكفار؛ لأن هذا مجاهدة مع النفس وذلك مجاهدة مع الكفار ومجاهدة النفس أشدّ من مجاهدة الكفار، ولهذا روي أنه ﷺ قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
﴿إن الذين يرمون المحصنات﴾ أي: العفائف ﴿الغافلات﴾ أي: عن الفواحش وهنَّ السليمات الصدور النقيات القلوب بأن لا يقع في قلوبهن فعلها اللاتي ليس فيهن دهاء ولا مكر لأنهن لم يجربن الأمور ولم يرزن الأحوال فلا يفطن لما تفطن له المجربات العرافات؛ قال في ذلك القائل متغزلاً:
*ولقد لهوت بطفلة ميالة
... بلهاءتطلعني على أسرارها
(٦/١٠٥)