كان لعبد الله بن أبيّ رأس المنافقين ست جوار معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة، يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب فشكت اثنتان منهن إلى رسول الله ﷺ فنزلت، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت مسيكة لمعاذة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين، فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه، وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه، فأنزل الله هذه الآية، وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوماً ببرد، وجاءت الأخرى بدينار فقال لهما: ارجعا فازنيا، فقالا: والله لا نفعل قد جاء الإسلام وحرم الزنا، فأتيا رسول الله ﷺ وشكيا إليه فنزلت.
ويكنى بالفتى والفتاة عن العبد والأمة، وفي الحديث عن رسول الله ﷺ «ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي» ﴿إن أردن تحصناً﴾ أي: تعففاً عنه وهذه الإرادة محل الإكراه فلا مفهوم للشرط؛ لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن فإنها بغي الطبع طوعاً، وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذان بأن الباغيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر ولأن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكر في سبب نزول الآية، فخرج النهي على صورة صفة السبب وإن لم تكن شرطاً فيه، وقال الحسين بن الفضل: في الآية تقديم وتأخير تقديرها: وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصناً، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ﴿لتبتغوا عرض الحياة الدنيا﴾ أي: تطلبوا من أموال الدنيا بكسبهن وأولادهن ﴿ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور﴾ أي: لهن ﴿رحيم﴾ بهن، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال لهن: والله لهن أي: لا للمكره إلا إذا تاب.
(٦/١٣٢)


الصفحة التالية
Icon