فالكناية تعود إلى المضاف المحذوف، وهو قول أبي علي، وقال غيره على حذف مضافين تقديره أو كأعمال ذي ظلمات فقدر ذي ليصح عود الضمير إليه في قوله تعالى: ﴿إذا أخرج يده﴾ وقدر أعمال ليصح تشبيه أعمال الكفار بأعمال صاحب الظلمة إذ لا معنى لتشبيه العمل بصاحب الظلمة، وأو للتخيير فإن أعمالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لجج البحر والأمواج والسحاب، أو للتنويع، فإن أعمالهم إن كانت حسنة فكالسراب، وإن كانت قبيحة فكالظلمات أو للتقسيم باعتبار وقتين، فإنها كالظلمات في الدنيا وكالسراب في الآخرة، وقوله تعالى: ﴿في بحر لجي﴾ صفة لظلمات فيتعلق بمحذوف، واللجي منسوب إلى اللج، وهو معظم البحر، وقيل: منسوب إلى اللجة بالتاء، وهي أيضاً معظمه، فاللجي هو العميق الكثير الماء، وقوله تعالى: ﴿يغشاه﴾ أي: يغطي هذا البحر ويعلوه ﴿موج﴾ كائن ﴿من فوقه موج﴾ أي: أمواج مترادفة متراكمة ﴿من فوقه﴾ أي: الموج الثاني المركوم، وقوله تعالى: ﴿سحاب﴾ أي: غيم غطى النجوم وحجب أنوارها صفة أخرى لبحر، وقوله تعالى: ﴿ظلمات﴾ أي: من البحر والموجين والسحاب خبر مبتدأ مضمر تقديره هذه ظلمات أو تلك ظلمات، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ والجملة من قوله تعالى: ﴿بعضها فوق بعض﴾ خبره، قاله الحوفي.
فإن قيل: لا مسوغ للابتداء بهذه النكرة؟ أجيب: بأنها موصوفة تقديراً؛ أي: ظلمات كثيرة متكاثفة، وقرأ البزي سحاب بلا تنوين وجر ظلمات وقنبل ينون سحاب ويجر ظلمات، والبزي جعل الموج المتراكم بمنزلة السحاب، وأما قنبل: فإنه جعل ظلمات بدلاً من ظلمات الأولى والباقون بتنوين سحاب، وظلمات بالرفع فيهما ﴿إذا أخرج﴾ أي: الكافر في هذا البحر بدلالة المعنى، وإن لم يجرِ له ذكر ﴿يده﴾ وهي أقرب ما يرى إليه في هذه الظلمات ﴿لم يكد﴾ أي: الكائن فيه ﴿يراها﴾ أي: لم يقرب من رؤيتها فضلاً عن أن يراها كقول ذي الرمة:
(٦/١٤٥)


الصفحة التالية
Icon