﴿لا تدعوا اليوم﴾ أي: أيها الكفار ﴿ثبوراً واحداً﴾؛ لأنكم لا تموتون إذا حلت بكم أسباب العذاب والهلاك ﴿وادعوا ثبوراً كثيراً﴾ أي: هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة، أو ادعوا أدعية كثيرة، وقال الكلبي: نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبه، ولما وصف تعالى: العقاب المعدّ للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة بقوله تعالى:
﴿{قل﴾ أي: لهؤلاء البعداء البغضاء ﴿أذلك﴾ أي: المذكور من الوعيد وصفة النار ﴿خير أم جنة الخلد﴾ أي: الإقامة الدائمة ﴿التي وعد المتقون﴾ أي: وعدها الله تعالى لهم، فالراجع إلى الموصوف وهو هاء وعدها محذوف.
(٦/٢٠٢)
فإن قيل: كيف يقال: العذاب خير أم جنة الخلد، وهل يجوز أن يقول القائل: السكر أحلى أم الصبر؟ أجيب: بأنه يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر، فضربه ويقول له: هذا خير أم ذلك؟ قال أبو مسلم: جنة الخلد هي التي لا ينقطع نعيمها، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور، قال تعالى: ﴿لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً﴾ (الإنسان، ٩)
فإن قيل: الجنة اسم لدار الخلد، فأي فائدة في قوله تعالى: ﴿جنة الخلد﴾؟ أجيب: بأنّ الإضافة قد تكون للبيتين، وقد تكون لبيان صفة الكمال كقوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ﴾ (الحشر، ٢٤)
وهذا من هذا البيان أو للتمييز عن جنات الدنيا، ثم حقق تعالى أمرها تأكيداً للبشارة بقوله: ﴿كانت لهم جزاء﴾ أي: ثواباً على أعمالهم بفضل الله تعالى وكرمه ﴿ومصيراً﴾ أي: مرجعاً.