﴿وقال الذين كفروا﴾ أي: الذين غطوا عداوة وحسداً ما تشهد عقولهم بصحته من أن القرآن كلام الله تعالى لإعجازه لهم مفرقاً فضلاً عن كونه مجتمعاً ﴿لولا﴾ أي: هلا ﴿نزل عليه القرآن﴾ أي: أنزل كخير بمعنى أخير؛ لئلا يناقض قولهم ﴿جملة﴾ وأكدوا بقولهم ﴿واحدة﴾ أي: من أوله إلى آخره كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود لتحقق أنه من عند الله تعالى، ويزول عنا ما نتوهمه من أنه الذي يرتبه قليلاً قليلاً، وهذا الاعتراض في غاية السقوط؛ لأن الإعجاز لا يتخلف بنزوله جملة أو متفرقاً مع أن للتفريق فوائد منها:
ما أشار إليه بقوله تعالى: ﴿كذلك﴾ أي: أنزلناه شيئاً فشيئاً على هذا الوجه العظيم الذي أنكروه ﴿لنثبت﴾ أي: نقوي ﴿به فؤادك﴾ أي: قلبك فتعيه وتحفظه؛ لأن المتلقن إنما يقوى قلبه على حفظ العلم شيئاً فشيئاً وجزءاً عقب جزء، ولو ألقي عليه جملة واحدة لتعيا بحفظه والرسول ﷺ فارقت حاله حال داود وموسى عليهم السلام وعيسى حيث كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، وهم كانوا قارئين كاتبين، فلم يكن له بد من التلقن والتحفظ، فأنزله الله عليه منجماً في عشرين سنة، وقيل: في ثلاث وعشرين سنة، وأيضاً فكان ينزل على حسب الحوادث وجوابات السائلين؛ ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ، ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقاً.
(٦/٢٢١)