﴿وإذا قيل لهم﴾: أي: من أي قائل قال لهؤلاء الذين يتقلبون في نعمه: ﴿اسجدوا﴾ أي: اخضعوا بالصلاة وغيرها ﴿للرحمن﴾ أي: الذي لا نعمة لكم إلا منه ﴿قالوا وما الرحمن﴾ متجاهلين في معرفته فضلاً عن كفر نعمته معبرين بأداة ما لا يعقل، وقال ابن عربي: إنما عبروا بذلك إشارة إلى جهلهم بالصفة دون الموصوف، ثم عجبوا من أمره بذلك منكرين عليه بقولهم: ﴿أنسجد لما تأمرنا﴾ فعبروا عنه بعد التجاهل في أمره، والإنكار على الداعي إليه أيضاً بأداة ما لا يعقل ﴿وزادهم﴾ أي: هذا الأمر الواضح المقتضي للإقبال والسكون شكراً للنعمة وطمعاً في الزيادة ﴿نفوراً﴾ أي: عن الإيمان والسجود.
تنبيه: هذه السجدة من عزائم سجود التلاوة يسن للقارئ والمستمع والسامع أن يسجد عند قراءتها أو سماعها، وقرأ وإذا قيل لهم هشام والكسائي بالإشمام وضم القاف مع سكون الياء والباقون بكسر القاف، وقرأ لما يأمرنا حمزة والكسائي بالياء التحتية والباقون بالتاء الفوقية، وأبدل ورش والسوسي الهمزة وقفاً ووصلاً وحمزة وقفاً لا وصلاً، ولما حكى تعالى عن الكفار مزيد النفرة عن السجود وذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن قال عز من قائل:
﴿تبارك﴾ أي: ثبت ثباتاً لا نظير له ﴿الذي جعل في السماء﴾ التي تقدم أنه اخترعها، واختلف في معنى قوله: ﴿بروجاً﴾ فقال الزجاج ومجاهد وقتادة: هي النجوم الكبار سميت بروجاً لظهورها، وقال عطية العوفي: هي القصور فيها الحرس كما قال تعالى: ﴿ولو كنتم في بروج مشيدة﴾ (النساء، ٧٨)
(٦/٢٤٨)


الصفحة التالية
Icon