﴿أو أراد شكوراً﴾ أي: شكر نعمة ربه عليه من الإتيان بكل منهما بعد الآخر لاجتناء ثمراته ولو جعل أحدهما دائماً لفاتت مصالح الآخر ولحصلت السآمة والملل منه والتواني في الأمور المقدرة بالأوقات وفتر العزم الذي إنما يثيره لتداركها دخول وقت آخر وغير ذلك من الأمور التي أحكمها العلي الكبير، وعن الحسن من فاته عمله من التذكر والشكر بالنهار كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب، ولما ذكر الله تعالى عباده الذين خذلهم بتسليط الشيطان عليهم فصاروا حزباً ولم يضفهم إلى اسم من أسمائه إيذاناً بإهانتهم لهوانهم عنده أشار إلى عباده الذين أخلصهم لنفسه قوله تعالى:
﴿وعباد الرحمن﴾ فأضافهم إليه رفعة لهم وإن كان الخلق كلهم عباده وأضافهم إلى وصف الرحمة الأبلغ الذي أنكره أولئك تبشيراً لهم، ثم وصفهم بضد ما وصف به المتكبرين عن السجود إشارة إلى أنهم تخلقوا من هذه الصفة التي أضيفوا إليها بصفات كثيرة؛ الصفة الأولى: قوله تعالى: ﴿الذين يمشون﴾ وقال تعالى: ﴿على الأرض﴾ تذكيراً بما يصيرون إليه وحثاً على السعي في معالي الأخلاق ﴿هوناً﴾ أي: هينين أو مشياً هيناً مصدر وصف به مبالغة والهون الرفق واللين، ومنه الحديث: «أحبب حبيبك هوناً ما»، وقوله: المؤمنون هينون، والمثل: إذا عز أخوك فهن، والمعنى إذا عاسر فياسر، والمعنى أنهم يمشون بسكينة وتواضع ووقار لا يضربون لوقارهم بأقدامهم ولا يخفقون بنعالهم أشراً وبطراً ولذلك كره بعض العلماء الركوب في الأسواق لقوله تعالى: ﴿ويمشون في الأسواق﴾ (الفرقان، ٣٠)
(٦/٢٥٠)


الصفحة التالية
Icon