﴿إنّ في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم العالي الرتبة من قصة موسى وفرعون وما فيها من العظات ﴿لآية﴾ أي: علامة عظيمة دالة على قدرة الله تعالى لأنّ أحداً من البشر لا يقدر عليه وعلى حكمته وكون وقوعه مصلحة في الدين والدنيا أو على صدق موسى لكونه معجزة له وعلى التحذير عن مخالفة أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام، وفي ذلك تسلية للنبيّ ﷺ لأنه قد بغتم بتكذيب قومه معه ظهور المعجزات عليه فنبه الله تعالى بهذا الذكر على أنّ له أسوة بموسى وغيره ﴿وما كان أكثرهم﴾ أي: أهل مصر الذين شاهدوها والذين وعظوا بسماعها ﴿مؤمنين﴾ أي: متصفين بالإيمان الثابت، أما القبط فما آمن منهم إلا السحرة ومؤمن آل فرعون وامرأة فرعون والمرأة التي دلتهم على عظام يوسف عليه السلام، وأما بنو إسرائيل فكان كثير منهم متزلزلاً يتعنت كل قليل ويقول ويفعل ما هو كفر حتى تداركهم الله تعالى على يدي موسى عليه السلام ومن بعده، وأول ما كان من ذلك سؤالهم إثر مجاوزة البحر أن يجعل لهم إلهاً كالأصنام التي مرّوا عليها، وأمّا غيرهم ممن تأخر عنهم فحالهم معروف وأمرهم مشاهد مكشوف فقد سألوه بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وطلبوا رؤية الله جهرة.
﴿وإن ربك﴾ أي: المحسن إليك بإعلاء أمرك واستنقاذ الناس من ظلام الجهل على يدك ﴿لهو العزيز﴾ أي: القادر على الانتقام من كل فاجر ﴿الرحيم﴾ بعباده لأنه تعالى أفاض عليهم نعمه وكان قادراً على أن يهلكهم، فدل ذلك على كمال رحمته وسعة جوده وفضله. ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من قصة موسى عليه السلام ليعرف محمداً ﷺ أن تلك المحن التي أصابته كانت حاصلة لموسى، أتبعه دلالة على رحمته وزيادة في تسلية نبيه قصة إبراهيم عليه السلام وهي القصة الثانية بقوله تعالى:
(٧/٣٢)