﴿الذي خلقني﴾ أي: أوجدني على هيئة التقدير والتصوير ﴿فهو﴾ أي: فتسبب عن تفرده بخلقي أنه هو لا غيره ﴿يهدين﴾ أي: إلى الرشاد ولا يعلم باطن المخلوق ويقدر على التصرف فيه غير خالقه ولا يكون خالقه إلا سميعاً بصيراً ضاراً نافعاً له الكمال كله وذكر الخلق بالماضي لأنه لا يتجدد في الدنيا، والهداية بالمضارعة لتجددها وتكرّرها، لأنه تعالى لما أتم خلقه ونفخ فيه الروح عقب ذلك هدايته المتصلة التي لا تنقطع إلى كل ما يصلحه ويعينه وإلا فمن هداه إلى أن يتغذى بالدم في البطن امتصاصاً؟ ومن هداه إلى معرفة الثدي عند الولادة وإلى معرفة مكانه؟ ومن هداه لكيفية الارتضاع إلى غير ذلك ديناً ودنياً.
﴿والذي﴾ أي: ﴿هو﴾ لا غيره ﴿يطعمني ويسقين﴾ أي: يرزقني ويغذيني بالطعام والشراب ولو أراد أعدم ما آكل وما أشرب أو أصابني بآفة لا أستطيع معها أكلاً ولا شرباً، ونبه بذكر الطعام والشراب على ما عداهما.
تنبيه: يجوز في والذي يطعمني ويسقين أن يكون مبتدأ وخبره محذوف لدلالة ما قبله عليه وكذا الذي بعده، ويجوز أن تكون أوصافاً للذي خلقني ودخول الواو جائز كقوله:
*إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم* |
﴿وإذا مرضت﴾ أي: باستيلاء بعض الأخلاط على بعض لما بينهما من التنافر الطبيعي ﴿فهو﴾ أي: وحده ﴿يشفين﴾ أي: بسبب تعديل المزاج بتعديل الأخلاط وقسرها عن الاجتماع لا بطبيب ولا غيره.
فإن قيل: لم أضاف المرض إلى نفسه مع أنّ المرض والشفاء من الله تعالى؟ أجيب: بأنه قال ذلك استعمالاً لحسن الأدب كما قال الخضر عليه السلام ﴿فأردت أن أعيبها﴾ (الكهف: ٧٩)
(٧/٣٦)