فإن قيل: لم أسند لنفسه الخطيئة مع أنّ الأنبياء معصومون؟ أجيب: بأنّ مجاهداً قال هي قوله: إني سقيم وقوله: بل فعله كبيرهم هذا وقوله: لسارة هي أختي، ورد بأن هذه معاريض كلام وتخيلات للكفرة وليست بخطايا يطلب لها الاستغفار، والأولى في الجواب أن استغفار الأنبياء تواضع منهم لربهم وهضم لأنفسهم، ويدل عليه قوله: أطمع ولم يجزم القول بالمغفرة، وفيه تعليم لأممهم وليكون لطفاً لهم باجتنابهم المعاصي والحذر منها وطلب المغفرة مما يفرط منهم، فإن قيل: لم علق مغفرة الخطيئة بيوم الدين وإنما المغفرة في الدنيا؟ أجيب: بأنّ أثرها يتبين يومئذ وهو الآن خفي لا يعلم، ولما حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ثناء عليه ذكر بعد ذلك دعاءه ومسألته بقوله.
﴿رب﴾ أي: أيها المحسن إليّ ﴿هب لي حكماً﴾ أي: عملاً متقناً بالعلم، وقال ابن عباس: معرفة حدود الله وأحكامه، وقال الكلبيّ: النبوّة لأنّ النبيّ ذو حكمة وذو حكم بين عباد الله، ثم بين أنّ الاعتماد إنما هو على محض الكرم فإن من نوقش الحساب عذب بقوله ﴿وألحقني بالصالحين﴾ أي: الذين جعلتهم أئمة للمتقين في الدنيا والآخرة وهم الأنبياء والمرسلون، وقد أجابه الله تعالى حيث قال ﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ (البقرة: ١٣٠)
وفي ذلك تنبيه على أن تقديم الثناء على الدعاء من المهمات، فإن قيل: لم لم يقتصر إبراهيم عليه السلام على الثناء ولا سيما يروى عنه أنه قال حسبي من سؤالي علمه بحالي؟.
أجيب: بأنه عليه السلام إنما ذكر ذلك حين اشتغاله بدعوة الخلق إلى الحق لأنه قال فإنهم عدوّ لي إلا رب العالمين ثم ذكر الثناء ثم ذكر الدعاء لما أنّ الشارع لا بد له من تعليم الشرع فأمّا حين خلا بنفسه ولم يكن غرضه تعليم الشرع اقتصر على قوله حسبي من سؤالي علمه بحالي.
(٧/٣٨)