﴿أتتركون﴾ أي: من أيدى النوائب التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى ﴿في ما ههنا﴾ أي: في بلادكم هذه من النعم حالة كونكم ﴿آمنين﴾ لا تخافون وأنتم تبارزون الملك القهار بالعظائم.
فائدة: تكتب في ما ههنا في مقطوعة عن ما، ثم فسر ما أجمله بقوله:
﴿في جنات﴾ أي: بساتين تستر الداخل فيها وتخفيه لكثرة أشجارها ﴿وعيون﴾ تسقيها من مالها من البهجة وغير ذلك من المنافع.
﴿وزروع﴾ أي: من سائر الأنواع ﴿ونخل طلعها﴾ أي: ما يطلع منها من الثمر ﴿هضيم﴾ قال ابن عباس: هو اللطيف، ومنه قوله: كشح هضيم، وقيل: هو الجواد الكريم من قولهم: يد هضوم إذا كانت تجود بما لديها، وقال أهل المعاني هو المنضم بعضه إلى بعض في وعائه قبل أن يظهر، والطلع: عنقود الثمر قبل خروجه من الكمّ، وقال الزمخشري: الطلع هو الذي يطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو والقنوهر اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه.
فإن قيل: لم قال ونخل بعد قوله: ﴿في جنات﴾ والجنة تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج حتى إنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل قال زهير:
*تسقى جنة سحقاً*
(٧/٥٥)
وسحقاً: جمع سحوق، ولا يوصف به إلا النخل؟ أجيب: بوجهين: أحدهما: أنه خص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهاً على انفراده عنها بفضله عليها، الثاني: أن يريد بالجنات غيرها من الشجر لأنّ اللفظ يصلح لذلك ثم يعطف عليها النخل، ولما ذكر ما أنعم الله تعالى به عليهم أتبعه أفعالهم الخبيثة بقوله:
﴿وتنحتون﴾ أي: والحال أنكم تنحتون إظهاراً للقدرة ﴿من الجبال﴾ وقرأ ﴿بيوتاً﴾ ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء، والباقون بكسرها، وقرأ ﴿فرهين﴾ ابن عامر والكوفيون بألف بعد الفاء، أي: حاذقين، وقرأ الباقون بغير ألف، أي: بطرين لا لحاجتكم إلى شيء من ذلك.


الصفحة التالية
Icon