﴿فكذبوه﴾ أي: استمرّوا على تكذيبه ﴿فأخذهم﴾ أي: فتسبب عن تكذيبهم أن أخذهم ﴿عذاب يوم الظلة﴾ وهي سحابة على نحو ما طلبوا من قطع السماء، روي أنّ الله تعالى حبس عنهم الريح سبعاً وتسلط عليهم الرمض: وهو شدّة الحرّ مع سكون الريح فأخذ بأنفاسهم لا ينفعهم ظل ولا ماء ولا شراب، فاضطروا إلى أن خرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها برداً ونسيماً فاجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا، وروي أن شعيباً بعث إلى أمّتين أصحاب مدين وأصحاب الأيكة، فأهلكت مدين بصيحة جبريل، وأصحاب الأيكة بعذاب يوم الظلة ﴿إنه كان عذاب يوم عظيم﴾ وقدمنا أن تعظيم اليوم أبلغ من تعظيم العذاب.
﴿إن في ذلك﴾ أي: الأمر العظيم من الإنجاء المطرد لكلّ رسول ومن أطاعه والأخذ المطرد لمن عصاه في كل عصر بكل قطر بحيث لا يشذ من الفريقين إنسان قاصٍ ولا دان ﴿لآية﴾ أي: دلالة واضحة عظيمة على صدق الرسل وأن يكونوا جديرين بتصديق العباد لهم في جميع ما قالوه من البشائر والنذائر، بأن الله تعالى يهلك من عصاه وينجي من والاه لأنه الفاعل المختار لما يريد ﴿وما كان أكثرهم﴾ أي: أكثر قومك كما كان من قبلهم ﴿مؤمنين﴾ مع أنك قد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم بك معرفة قبل ذلك، فكيف وهم عارفون بأنك كنت قبل الرسالة أصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة وأغزرهم عقلاً وأعلاهم همة وأبعدهم عن كل ذي دنس.
﴿وإنّ ربك﴾ أي: المحسن إليك بكل ما يعلي شأنك ويوضح برهانك ﴿لهو العزيز﴾ فلا يعجزه أحد ﴿الرحيم﴾ بالإمهال لكي يؤمنوا أو أحد من ذرّيتهم: وهذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار تسلية لرسول الله ﷺ تهديداً للمكذبين له.
فإن قيل: كيف كرّر في هذا السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرّر؟.
(٧/٦٨)