قال الزمخشريّ: والظاهر أنه عامّ في كل من في تلك الأرض وفي ذلك الوادي وحواليهما من أرض الشأم، ولقد جعل الله تعالى أرض الشأم الموسومة بالبركات لكثرتها مبعث الأنبياء، وكفاتهم أحياء وأمواتاً، ومهبط الوحي عليهم، وخصوصاً تلك البقعة التي كلم الله فيها موسى عليه السلام وقوله تعالى ﴿وسبحان الله رب العالمين﴾ من تمام ما نودي به لئلا يتوهم من سماع كلامه تشبيهاً، وللعجب من عظمة الله في ذلك الأمر فإنه أتاه النداء، كما ورد من جميع الجهات فسمعه بجميع الحواس، أو تعجب من موسى لما دعاه من عظمته ولما تشوفت النفس إلى تحقق الأمر تصريحاً، قال تعالى تمهيداً لما أراد سبحانه إظهاره على يد موسى عليه السلام من المعجزات الباهرات.
﴿يا موسى إنه﴾ أي: الشأن العظيم الجليل الذي لا يبلغ وصفه، وجملة ﴿أنا الله﴾ أي: البالغ في العظمة ما تقصر عنه الأوهام، مفسرة له، أو المتكلم، وأنا خبر، والله بيان له، ثم وصف تعالى نفسه بوصفين يدلان على ما يفعله مع موسى عليه السلام : أحدهما: ﴿العزيز﴾ أي: الذي يصل إلى سائر ما يريد ولا يرده عن مراده راد، والثاني: ﴿الحكيم﴾ أي: الذي يفعل كل ما يفعله بحكمة وتدبير.
(٧/٩٢)
فإن قيل: هذا النداء يجوز أن يكون من عند غير الله تعالى، فكيف علم موسى أنه من الله تعالى؟ أجيب: بأنه سمع الكلام المنزه عن شائبة كلام المخلوقين لأنّ النداء أتاه من جميع الجهات وسمعه بجميع الحواس كما مر، فعلم بالضرورة أنه صفة الله سبحانه وتعالى، ثم أرى الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام آية تدلّ على قدرته ليعلم علم شهود وهي قوله تعالى: