وقول سليمان عليه السلام ﴿وأوتينا من كل شيء﴾ أي: تؤتاه الأنبياء والملوك، قال ابن عباس من أمر الدنيا والآخرة، وقال مقاتل: يعني النبوّة والملك وتسخير الجنّ والإنس والرياح ﴿إن هذا﴾ أي: الذي أوتيناه ﴿لهو الفضل المبين﴾ أي: البين في نفسه لكلّ من ينظره الموضح لعلوّ قدر صاحبه، روي أنّ سليمان أعطي ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك أربعين سنة وستة أشهر جميع أهل الدنيا من الجنّ والأنس والدواب والطير والسباع وأعطى مع ذلك منطق الطير، وفي زمانه صنعت الصنائع العجيبة، فقوله: ﴿إنّ هذا لهو الفضل المبين﴾ تقرير لقوله ﴿الحمد لله الذي فضلنا﴾ والمقصود منه الشكر والحمد، كما قال ﷺ «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»، فإن قيل: كيف قال علمنا وأوتينا وهو كلام المتكبر؟ أجيب بوجهين: الأوّل: أنه يريد نفسه وأباه كما مرّ، الثاني: أنّ هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع وكان ملكاً مطاعاً، ولما كان هذا مجرّد خبر أتبعه ما يصدّقه بقوله تعالى:
﴿وحشر﴾ أي: جمع جمعاً حتماً بقهر وسطوة وإكراه بأيسر أمر ﴿لسليمان جنوده﴾ ثم بين ذلك بقوله تعالى: ﴿من الجنّ﴾ وبدأ بهم لعسر جمعهم ثم ثنى بقوله تعالى: ﴿والإنس﴾ لشرفهم ثم أتبع من يعقل بما لا يعقل بقوله ﴿والطير﴾ فقدّم القسم الأول لشرفه وذلك كان في مسير له في بعض الغزوات ﴿فهم﴾ أي: فتسبب عن مسيره بذلك أنهم ﴿يوزعون﴾ أي: يكفون بحبس أولهم على آخرهم بأدنى أمر وأسهله ليتلاحقوا فيكون ذلك أجدر بالهيبة وأعون على النصرة وأقرب إلى السلامة، قال قتادة: كان على كل صنف من جنوده وزعة ترد أوّلها على آخرها لئلا يتقدّموا في المسير، قال والوازع: الحابس وهو النقيب، وقال مقاتل: يوزعون أي: يساقون، وقال السدّيّ: يوقفون، وقيل: يجمعون، وأصل الوزع الكف والمنع.
(٧/١٠١)