ولما كانوا في أمر مهول منظره وقربوا من ذلك الوادي ﴿قالت نملة﴾ قال الشعبيّ: كانت تلك النملة ذات جناحين، وقيل: كانت نملة عرجاء فنادت ﴿يا أيها النمل ادخلوا﴾ أي: قبل وصول ما أرى من الجيش ﴿مساكنكم﴾ ثم عللت أمرها فقالت: ﴿لا يحطمنكم﴾ أي: يكسرنكم ويهشمنكم، أي: لا تبرزوا فيحطمكم فهو نهي لهم عن البروز في صورة نهيه وهو أبلغ من التصريح بنهيهم لأن من نهى أميراً عن شيء كان لغيره أشدّ نهياً ﴿سليمان وجنوده﴾ أي: لأنهم لكثرتهم إذا صاروا في هذا الوادي استعلوا عليه فضيقوه فلم يدعوا فيه موضع شبر خالياً ﴿وهم﴾ أي: سليمان وجنوده ﴿لا يشعرون﴾ أي: بحطمهم لكم لاشتغالهم بما هم فيه من أحوال السير، وقولها هذا يدل على علمها بأنهم لو شعروا بهم ما آذوهم لأنهم أتباع نبيّ فهم رحماء، وإنما خاطبتهم خطاب من يعقل لأنها لما جعلت قائلة والنمل مقولاً له كما يكون في أولي العقل أجرت خطابهم، والنمل: اسم جنس معروف واحده نملة، ويقال نملة ونمل بضم النون وسكون الميم، ونملة ونمل بضمهما.
وعن قتادة: أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال سلوني عما شئتم، وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى حاضراً وهو غلام حديث، فقال سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكراً أم أنثى؟ فسألوه فأفحم، فقال أبو حنيفة: كانت أنثى، فقيل له من أين عرفت؟ فقال من كتاب الله، وهو قوله: قالت نملة ولو كانت ذكراً لقال قال نملة، قال الزمخشريّ: وذلك أنّ النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي انتهى.
(٧/١٠٤)