قال الرازي وهذا القول أقرب واستدل لذلك بوجوه منها: أنّ سليمان كان أعرف بالكتاب من غيره لأنه هو النبي فكان صرف اللفظ إليه أولى، ومنها: أنّ إحضار العرش في تلك الساعة اللطيفة درجة عالية فلو حصلت لآصف دون سليمان لاقتضى ذلك قصور حال سليمان في أعين الخلق، ومنها: أنه قال هذا من فضل ربي فظاهره يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى بدعاء سليمان.
﴿فلما رآه﴾ أي: رأى سليمان العرش ﴿مستقرّاً عنده﴾ أي: حاصلاً بين يديه ﴿قال﴾ شاكراً لربه لما آتاه الله تعالى من هذه الخوارق ﴿هذا﴾ أي: الإتيان المحقق ﴿من فضل ربي﴾ أي: المحسن إليّ لا بعمل أستحق به شيئاً فإنه أحسن إليّ بإخراجي من العدم ونظر إليّ بتوفيقي للعمل فكل عمل نعمة يستوجب عليّ بها الشكر، ولذلك قال ﴿ليبلوني﴾ أي: ليختبرني ﴿أأشكر﴾ فاعترف بكونه فضلاً ﴿أم أكفر﴾ بظني أني أوتيته باستحقاق.
(٧/١٣١)
تنبيه: ههنا همزتان مفتوحتان فنافع يسهل الهمزة الثانية، وابن كثير وأبو عمرو وهشام بخلاف عنه، وأدخل بينهما ألفاً قالون وأبو عمرو وهشام، ولم يدخل ورش وابن كثير، ولورش أيضاً إبدالها ألفا، والباقون بالتحقيق وعدم الإدخال، ثم زاد في حث نفسه على الشكر بقوله ﴿ومن شكر﴾ أي: أوقع الشكر لربه ﴿فإنما يشكر لنفسه﴾ فإن نفعه لها وهو أن يستوجب تمام النعمة ودوامها لأنّ الشكر قيد للنعمة الموجودة وجلب للنعمة المفقودة ﴿ومن كفر﴾ أي: بالنعمة ﴿فإنّ ربي﴾ أي: المحسن إليّ بتوفيقي لما أنا فيه من الشكر ﴿غني﴾ عن شكره لا يضرّه تركه شيئاً ﴿كريم﴾ أي: بإدرار الإنعام عليه فلا يقطعه عنه بسبب عدم شكره، ولما حصل العرش عنده.


الصفحة التالية
Icon