ويصح أن يكون متصلاً والظرفية في حقه تعالى مجاز بالنسبة إلى علمه وإن كان فيه جمع بين الحقيقة والمجاز كما قال به إمامنا الشافعيّ رضي الله تعالى عنه، وإن منعه بعضهم، ومن ذلك قول المتكلمين: الله تعالى في كل مكان على معنى أنّ علمه في الأماكن كلها فكأن ذاته فيها، وعلى هذا فيرتفع على البدل والصفة، والرفع أفصح من النصب لأنه منفي، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول.
﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله﴾ وعن بعضهم أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحداً لئلا يأمن أحد من عبيده مكره، وقوله تعالى: ﴿وما يشعرون﴾ صفة لأهل السموات والأرض نفي أن يكون لهم علم بالغيب، وإن اجتمعوا وتعاونوا ﴿أيان﴾ أي: أيّ وقت ﴿يبعثون﴾ أي: ينشرون، وقوله تعالى:
﴿بل﴾ بمعنى هل ﴿أدارك﴾ أي: بلغ وتناهى ﴿علمهم في الآخرة﴾ أي: بها حتى سألوا عن وقت مجيئها، ليس الأمر كذلك ﴿بل هم في شك﴾ أي: ريب ﴿منها﴾ كمن تحير في الأمر لا يجد عليه دليلاً ﴿بل هم منها عمون﴾ لا يدركون دلائلها لاختلال بصيرتهم، وهذا وإن اختص بالمشركين بمن في السموات والأرض، نسب إلى جميعهم كما يسند فعل البعض إلى الكل.
(٧/١٥٣)
فإن قيل: هذه الاضرابات الثلاثة ما معناها؟ أجيب: بأنها لتنزيل أحوالهم وصفهم أوّلاً بأنّهم لا يشعرون بوقت البعث، ثم بأنهم لا يعلمون أنّ القيامة كائنة، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية فلا يزيلونه والإزالة مستطاعة، ثم بما هو أسوأ حالاً وهو العمى وأن يكون مثل البهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً ولا يفكر في عاقبة وقد جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه فلذلك عدّاه بمن دون عن لأنّ الكفر بالعاقبة والجزاء هو الذي جعلهم كالبهائم لا يتدبرون ولا يتبصرون، ووصفهم باستحكام علمهم في أمر الآخرة تهكماً.


الصفحة التالية
Icon