﴿إنما أمرت﴾ أي: بأمر من لا يردّ له أمر ﴿أن أعبد﴾ أي: بجميع ما آمركم به ﴿رب﴾ أي: موجد ومدبر ﴿هذه البلدة﴾ أي: مكة التي تخرج الدابة منها فيفزع كل من رآها ثم تؤمن أهل السعادة أخصه بذلك لا أعبد شيئاً مما تعبدونه ﴿الذي حرّمها﴾ أي: جعلها الله تعالى حرماً آمناً لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلي خلاها ولما خصص مكة بهذه الإضافة تشريفاً لها وتعظيماً لشأنها قال احترازاً عما قد يتوهم ﴿وله كل شيء﴾ أي: من غيرها مما أشركتموه به وغيره خلقاً وملكاً: ولما كانوا ربما قالوا نحن نعبده بعبادة من نرجوه يقرّبنا إليه زلفى، عين له الدين الذي تكون به العبادة بقوله: ﴿وأمرت﴾ أي: مع الأمر بالعبادة له وحده ﴿أن أكون﴾ أي: كوناً هو في غاية الرسوخ ﴿من المسلمين﴾ أي: المنقادين لجميع ما يأمر به كتابه أتمّ انقياد ثابتاً على ذلك غاية الثبات.
﴿وأن﴾ أي: وأمرت أن ﴿أتلو القرآن﴾ عليكم تلاوة الدعوة إلى الإيمان، أو أن أواظب على تلاوته لتنكشف لي حقائقه في تلاوته شيئاً فشيئاً ﴿فمن اهتدى﴾ أي: باتباع هذا القرآن الداعي إلى الجنان ﴿فإنما يهتدي لنفسه﴾ أي: لأجلها لأنّ ثواب هدايته له ﴿ومن ضلّ﴾ أي: عن الإيمان الذي هو الطريق المستقيم ﴿فقل﴾ أي: له كما تقول لغيره ﴿إنما أنا من المنذرين﴾ أي: المخوّفين له عواقب صنعه فلا عليّ من وبال ضلاله شيء إذ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغت.
﴿وقل﴾ أي: إنذاراً لهم وترغيباً وترجئة وترهيباً ﴿الحمد﴾ أي: الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي: الذي له العظمة كلها على نعمة النبوّة وعلى ما علمني ووفقني للعمل به ﴿سيريكم آياته﴾ القاهرة في الدنيا كوقعة بدر وخروج دابة الأرض وفي الآخرة بالعذاب الأليم ﴿فتعرفونها﴾ أي: فتعرفون أنها آيات الله ولكن حين لا تنفعكم المعرفة.
﴿وما ربك﴾ أي: المحسن إليك بجميع ما أقامك فيه من هذه الأمور العظيمة والأحوال الجسيمة.
(٧/١٧١)


الصفحة التالية
Icon