﴿ولما بلغ أشدّه﴾ وهو ثلاثون سنة أو وثلاث كما قال مجاهد: وغيره ﴿واستوى﴾ أي: بلغ أربعين سنة كما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقيل: اعتدل في السنّ وتم استحكامه بانتهاء شبابه وهو من العمر ما بين إحدى وعشرين سنة إلى اثنتين وأربعين ﴿آتيناه﴾ أي: ابتداء من غير اكتساب أصلاً، خرقاً للعادة أسوة إخوانه من الأنبياء ﴿حكماً﴾ أي: عملاً محكماً بالعلم ﴿وعلماً﴾ أي: فقهاً في الدين تهيئة لنبوّته وإرصاداً لرسالته، وقيل: المراد بالعلم علم التوراة والحكم السنة، قال الزمخشري: وحكمة الأنبياء سنتهم قال الله تعالى ﴿واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ من آيات الله والحكمة﴾ (الأحزاب، ٣٤)، وقيل: معناه آتيناه سيرة الحكماء العلماء وسمتهم قبل البعث فكان لا يفعل فعلاً يستجهل فيه.
قال البقاعي: واختار الله تعالى هذا السن للإرسال ليكون من جملة الخوارق لأنّ به يكون ابتداء الانتكاس الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ومن نعمره﴾ (يس: ٦٨)
أي: إلى إكمال سنّ الشباب ﴿ننكسه في الخلق﴾ (يس: ٦٨)
أي: نوقفه فلا يزداد بعد ذلك في قواه الظاهرة ولا الباطنة شيء أولا يوجد فيه غريزة لم تكن موجودة أصلاً عشر سنين ثم يأخذ في النقصان هذه عادة الله في جميع بني آدم إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنهم في حدّ الوقوف يؤتون من بحار العلوم ما يقصر عنه الوصف بغير اكتساب بل غريزة يغرزها الله تعالى فيهم حينئذ ويؤتون من قوّة الأبدان أيضاً بمقدار ذلك ففي انتكاس غيرهم يكون نموهم وكذا من ألحقه الله تعالى بهم من صالحي أتباعهم كما قال تعالى.
﴿وكذلك﴾ أي: مثل هذا الجزاء العظيم ﴿نجزي المحسنين﴾ أي: كلهم على إحسانهم، ولما أخبر تعالى بتهيئته للنبوّة أخبر بما هو سبب لهجرته وكأنها سنة بعد إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى:
(٧/١٩١)