أجيب: بأنّ الله تعالى قد وضع الدنيا مجازاً إلى الآخرة وأراد بعباده أن لا يعملوا فيها إلا الخير، وما خلقهم إلا لأجله ليبلغوا خاتمة الخير وأما عاقبة السوء فلا اعتداد بها لأنها من نتائج تخويف الفجار، وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء على التذكير، والباقون بالتاء على التأنيث، ثم علل ذلك بما أجرى الله تعالى به عادته فقال معلماً بأنّ المخذول هو الكاذب إشارة إلى أنه الغالب لكون الله تعالى معه مؤكداً لما استقرّ في الأنفس من أنّ القويّ لا يغلبه الضعيف ﴿إنه لا يفلح﴾ أي: لا يظفر ولا يفوز ﴿الظالمون﴾ أي: الكافرون الذين يمشون كما يمشي من هو في الظلام بغير دليل.
﴿وقال فرعون﴾ جواباً لهذا الترغيب والترهيب ﴿يا أيها الملأ﴾ أي: الأشراف معظماً لهم استجلاباً لقلوبهم ﴿ما علمت لكم من إله غيري﴾ فتضمن كلامه نفي إلهية غيره وإثبات إلهية نفسه فكأنه قال: ما لكم من إله إلا أنا كما قال الله تعالى﴿قل أتنبؤن الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض﴾ (يونس: ١٨)
أي: بما ليس فيهنّ وذلك أنّ العلم تابع للموجود لا يتعلق به إلا على ما هو عليه فإذا كان الشيء معدوماً لم يتعلق به موجود فمن ثم كان انتفاء العلم بوجوده انتفاء لوجوده، فعبر عن انتفاء وجوده بانتفاء العلم بوجوده، ويجوز أن يكون على ظاهره وأنّ إلهاً غير معلوم عنده ولكنه مظنون بدليل قوله ﴿وأني لأظنه من الكاذبين﴾ وإذا ظنه كاذباً في إثباته إلهاً غيره ولم يعلمه كاذباً فقد ظنّ أنّ في الوجود إلهاً غيره ولو لم يكن المخذول ظاناً ظناً كاليقين بل عالماً بصحة قول موسى لقول موسى له.
(٧/٢٢٢)


الصفحة التالية
Icon