تنبيه: يجوز أن يكون الضمير لمحمد وموسى عليهما الصلاة والسلام، قال البقاعي: وهو أقرب وذلك لأنه روي أن قريشاً جاءت إلى اليهود فسألوهم عن محمد ﷺ فأخبروهم أنّ نعته في كتابهم فقالوا هذه المقالة فيكون الكلام استئنافاً لجواب من كأنه قال: ما كان كفرهم بهما؟ فقيل قالوا أي: العرب: الرجلان ساحران أو الكتابان ساحران ظاهر أحدهما الآخر مع علم كل ذي لب أنّ هذا القول زيف لأنه لو كان شرط إعجاز السحر التظاهر لكان سحر فرعون أعجز إعجازاً لأنه تظاهر عليه جميع سحرة بلاد مصر وعجزوا عن معارضة ما أظهر موسى عليه السلام من آياته كالعصا، وأمّا محمد ﷺ فقد دعا أهل الأرض من الجنّ والأنس إلى معارضة كتابه وأخبرهم أنهم عاجزون ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً فعجزوا عن آخرهم، ولما تضمن قولهم ذلك الكفر صرّحوا به ﴿وقالوا﴾ أي: كفار قريش ﴿إنا بكل﴾ أي: من الساحرين أو السحرين اللذين تظاهرا بهما وهما ما أتيا به من عند الله ﴿كافرون﴾ جراءة على الله تعالى وتكبراً على الحق ثم قال الله تعالى:
﴿قل﴾ أي: لهم إلزاماً إن كنتم صادقين في أني ساحر وكتابي سحر وكذلك موسى عليه السلام ﴿فأتوا بكتاب من عند الله﴾ أي: الملك العلي الأعلى ﴿هو﴾ أي: الذي تأتون به ﴿أهدى منهما﴾ أي: من الكتابين وقوله ﴿أتبعه﴾ أي: وأتركهما جواب الأمر وهو فأتوا ﴿إن كنتم﴾ أي: أيها الكفار ﴿صادقين﴾ أي: في أنا ساحران فأتوا بما ألزمتكم به، قال البيضاوي: وهذا من الشروط التي يراد بها الإلزام والتبكيت ولعل مجيء حرف الشك للتهكم بهم.
﴿فإن لم يستجيبوا لك﴾ أي: دعاءك إلى الكتاب الأهدى فحذف المفعول للعلم به ولأن فعل الاستجابة يتعدّى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالباً كقول القائل:

*وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب*
وداعٍ (أي: ورب داع).
(٧/٢٣٣)


الصفحة التالية
Icon